ثــــــــــــــــــــار
الــــــــعــــقــــــــد
متى انعقد العقد مستجمعا ً أركانه و شروط صحته ، رتب آثاره . أي أصبح للعقد
قوته الملزمه . فما حدود هذه القوة الملزمة للعقد ؟؟ .
المبحث الأول –
القوة الملزمة للعقد من حيث الموضوع
* المبدأ العام : العقد شريعة المتعاقدين :-
و يقصد بذلك انه حتى ابرم عقد و استجمع مواصفات ثلاثة بكونه :-
ü عقداً
صحيحا ً : أي توافرت فيه أركانه و شروطه .
ü عقدا
ً نافذا ً : أي غير موقوف على الأجازة .
ü عقدا
ً لازما ً : أي لا يحق لأحد طرفيه الاستقلال بفسخه .
فعندئذ ....... تكون لهذا العقد
الصحيح النافذ اللازم قوة ملزمة (1) ، فلا يجوز لأحد طرفيه أن يستقل بنقص العدد (
الغاءه ) ، أو حتى تعديله بإرادته المنفردة .
* الاستثناء : جواز نقض العقد أو تعديله بالمخالفة لمبدأ
العقد شريعة المتعاقدين :-
- يجوز – بالمخالفة لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين – نقض العقد أو
تعديله (2) :-
ü اما
بالاتفاق بين المتعاقدين : و قد يقرر هذا
الاتفاق تخويل أحد المتعاقدين أو كليهما سلطة نقض العقد أو تعديله ( مثل حالة
التعاقد بالعربون كثمن للعدول ) .
ü اما
بنص القانون : فأحيانا ً ينص القانون على أسباب معينة تخول القاضي
صلاحية التدخل في العقد لمراجعته و تعديله ، و من تلك الأسباب :-
1- عقود الأذعان :-
ففي العقدو التي يتوافر لها وصف الأذعان ـ يحق للقاضي أن يتدخل في العقد
متى وجد أن في العقد شروطا ً تعسفية ، و بمقتضى هذا التدخل يحق للقاضي أن يعدل هذه
الشروط التعسفية أو أن يعفى منها الطرف المذعن ( دائنا ً كان أو مدينا ً ) ، و
يكون تدخله على هذا النحو على ضوء ما تقضي به قواعد العدالة . و حتى يعتبر العقد
عقد أذعان مما يجيز للقاضي التدخل فيه – ان توافرت فيه شروطا ً تعسفيه – لا بد و
أن تتوافر في العقد شروطا ً معينة :-
أ – أن يتعلق العقد بسلعة أو مرفق ضروري وليس كمالي :-
فسواء كان العقد محله سلعة أو خدمة يقدمها مرفق من المرافق ، فيمكن اعتبار
هذا العقد عقد إذعان ان كانت هذه السلعة أو الخدمة من الضروريات لا الكماليات
بالنسبة لمستهلكي السلعة أو المنتفعين بالخدمة .
ب – أن يكون هناك احتكار قانوني أو فعلي أو حتى منافسة
محدودة بشأن هذه السلعة :-
فعقد الأذعان يفترض عدم التوازن الاقتصادي بين طرفيه . فمقدم السلعة أو
الخدمة يجب أن يكون طرفا ً قوي اقتصادي لأنه يحتكر تقديم هذه السلعة أو الخدمة ،
بينما مستهلك السلعة أو المنتفع بالخدمة هو طرف ضعيف اقتصاديا ً لأنه بحاجة لسلعة
أو خدمة ليحتكر تقديمها المتعاقد الآخر ، أو على الأقل توجد منافسه بينه و بين
منتجين آخرين لكنها منافسة محدودة . و لا يهم ان كان مصدر احتكار الخدمة أو السلعة
قانوني ( أي صدر قانون يخول هذا الطرف حق احتكار السلعة أو الخدمة في السوق
كاحتكار شركة " الاتصالات " في الإمارات للخدمة التليفونية . أو على
الأقل أن يكون هناك احتكار فعلي لرجحان القوة الاقتصادية لمقدم السلعة أو الخدمة
على من عداه من منتجين آخرين لذات السلعة أو الخدمة .
و هذا الخلل الاقتصادي بين الطرفين يتيح للطرف الأقوى ان يضع شروط العقد
بمفرده كاملة دون تفاوض حولها مع المتعاقد الآخر الذي ليس أمامه الا أن يقبل
العقد(3) .
ج – توجيه شروط موحدة للانتفاع بالسلعة أو الخدمة :-
فيجب أن يكون عقد الأذعان يقدم السلعة أو الخدمة بشروط متماثلة بالنسبة لكل
فئة من الجمهور . فشركة توزيع المياه تورد المياه للمنازل جميعا ً بشروط واحدة ، و
هي في نفس الوقت تختلف عن شروط تقديم ذات الخدمة ( خدمة توريد المياه النقية )
الموجهة إلى المرافق الحكومية . و عقود ادخال الخدمة التليفونية تتضمن شروط موحدة
بالنسبة لمشتركي المنازل بعكس شروط أخرى توجه إلى مشتركي المحلات التجارية .
- سلطة
القاضي بالنسبة لعقود الأذعان :- إذا تضمن عقد الأذعان شروطا ً
تعسفية فيها إجخاف بمصلحة الطرف الضعيف اقتصادياً في العقد ، حق للمتعاقد المغبون
أن يلجأ إلى القاضي ليخفف من هذه الشروط التعسفية أو حتى يعفى منها الطرف المذعن
كلية ، و ذلك وفقا ً لما تقضي به قواعد العدالة ( 4) . و يبطل أي اتفاق على خلاف
ذلك الحكم .
1- نظرية
الظروف الطارئة :-
·
مضمون النظرية :- تفترض هذه النظرية
أن التوازن العقدي الذي يهيمن على ابرام العقود و يحول دون ترجيح كفة متعاقد على
حساب ، متعاقد آخر ، هذا التوازن قد اختل بفعل ظروف استثنائية لها مواصفات خاصة (
ظروف عامة ، غير متوقعة ، غير ممكنة الدفع ) فعندئذ يجوز للقاضي – بناء على طلب
المتعاقد الذي ساء مركزه التعاقدي بين الطرفين مرة أخرى في حدود القدر العادل (5).
·
مثـــال :- قد يتعاقد أحد
الموردين مع إدارة جامعة الشارقة على توريد وجبات غذائية لمطعم الجامعة يوميا ً و
لمدة 3 سنوات ، و يبرم عقد التوريد في ظل توازن عقدي مناسب من وجهة نظر كل متعاقد
. و بعد مرور سنتين من مدة العقد ، يختل هذا التوازن العقدي بسبب ظروف طارئة ( قد
تكون حرب أو فيضان ) أدت إلى ارتفاع هائل في تكلفة الوجبة الغذائية ( فصارت الوجبة
التي تتكلق من قبل 10 دراهم ، و بسبب انتشار مرض الحمى القلاعية و تقصي كمية
اللحوم المستوردة لدولة الإمارات صارت الوجبة تتكلف 30 درهما ً ) و هكذا أصبح
المورد يورد الوجبات الغذائية لمطعم الجامعة بثمن يحقق له خسائر فادحة . و لذلك
يحق له – بمقتضى نظرية الظروف الطارئة – أن يلجأ إلى القاضي ليعيد التوازن العقدي
مرة أخرى في حدود العدالة ، و يرد هذا الالتزام بالتوريد الذي صار مرهقا ً للمورد
يهدده بخسارة فادحة .
·
شروط النظرية :- حتى تنطبق النظرية و
يتدخل القاضي لتعديل العقد يلزم توافر الشروط التالية :-
1-
أن يوجد عقد متراخي التنفيذ :- و يقصد بذلك أن
يوجد فاصل زمني بين إبرام العقد و بين تنفيذه ، بحيث تطرأ الظروف الاستثنائية خلال
هذا الفاصل الزمني ، بما يهدد المدين بخسارة فادحة . و تطبيقا ً لذلك تنطبق نظرية
الظروف الطارئة على العقود الزمنية التي يعد الزمن عنصرا ً جوهريا ً قيها نثل عقد
الإيجار و عقد التوريد. كذلك تنطبق النظرية على العقود الفورية متراخية التنفيذ
مثل عقد بيع عدة سيارات ، يجري تسليم المبيع فيه على مراحل ، و لكن يشترط هنا ألا يكون
العقد الفوري قد تراخى تنفيذه بفعل المدين ، و إلا فإننا نكون قد كافأنا المدين
على تقاعسه عن تنفيذ التزامه بإتاحة الفرصة أمامه للتمسك بتطبيق نظرية الظروف
الطارئة .
-
و يشترط لانطباق النظرية أن تطرأ الحوادث الاستثنائية من خلال الفاصل الزمني بين
إبرام العقد و بين تنفيذه . اما إذا ظرأت الظروف الاستثنائية قبل إبرام العقد فلا
تنطبق النظرية لأن هذه الظروف حتما ً أدخلها المتعاقدان في اعتبارهما حين تحديد
شروط التعاقد . أيضا ً إذا ما طرأت الظروف الاستثنائية بعد تنفيذ العقد فلا تنطبق
النظرية حيث ينعدم أثر هذه الظروف عندئذ على الإخلال بالتوازن العقدي بين الطرفين
، باعتبار أن العقد قد نفذ بالفعل .
2- أن
تطرأ خلال الفاصل الزمني بين إبرام العقد و بين تنفيذه ، ظروف لها مواصفات معينة
:-
-
فلا تنطبق نظرية الظروف الطارئة إلا إذا كانت الحوادث التي طرأت خلال الفاصل
الزمني بين إبرام العقد و بين تنفيذه ، لها مواصفات معينة ، هــــــــــــي :-
أ- أن تكون ظروف استثنائية
..... أي ان تكون حوادث يندر وقوعها بحسب المجرى العادي للأمور ، مثل الحرب ،
الزلزال ، الفيضان ، حظر استيراد سلعة ما .
ب- أن تكون ظروف عامة...... أي
أن تشمل هذه الحوادث طائفة من الناس و لا تقتصر في أثرها على شخص المدين ، و من
أمثلة الظروف الخاصة بشخص المدين و التي تمنع انطباق نظرية الظروف الطارئة افلاس
المدين أو نقص السيولة لديه أو عجزة عن الاستمرار في تجارته لمرض أقعده .
ج- أن تكون ظروف غير
متوقعة..... أي أنها حوادث خارج توقع الرجل المعتاد . و الرجل المعتاد هو رجل
معياري من أواسط الناس ، ليس أكثرهم حرصا ً ، و لا أشدهم اهمالا ً . فان كان مثل
هذا الرجل المعتاد لا يتوقع هذه الاحداث الاستثنائية فهي إذن ظروف طارئة .
د- أن تكون ظروف غير ممكن
تفاديها ..... أي أنها حوادث لا يملك لها المدين دفعاً . فارتفع الأسعار العالمية
الذي ينذر المدين بخسائر فادحة أمر لا يمكن تفاديه ، و يقاس ذلك بمعيار الرجل
المعتاد .
3- أن يترتب على الظروف الطارئة
ان يصبح تنفيذ المدين لالتزامه أمرا ً مرهقا ً لا مستحيلا ً :-
- يجب أن يترتب على الظروف
الطارئة نتيجة محدده و هي أن يصبح تنفيذ المدين لالتزامه أمرا ً مرهقا ً يهدده
بخسارة فادحة . أما لو صار تنفيذ المدين لالتزامه – بفعل هذه الظروف – أمرا ً
مستحيلا ً ، فعندئذ تسمى هذ الظروف " قوة قاهرة " ، و يترتب على القوة
القاهرة انقضاء الالتزام و من ثم انفساخ العقد ( 6) .
أما الظروف الطارئة فأثرها على
المدين أقل فداخة من القوة القاهرة ، فهي تجعل تنفيذ المدين لالتزامه أمرا ً مرهقا
ً يهدده بخسارة فادحة , و يقاس ارهاق المدين بمعيار موضوعي دون اعتداد بظروف
المدين الشخصية . فان كان المدين من الثراء بحيث لا تعتبر الخسارة الناجمة عن
العقد ذات أثر بالنسبة له ، فهو يستطيع رغم ظروفه الشخصية السابقة أن يتمسك بتطبيق
نظرية الظروف الطارئة طالم أن هذه الخسارة بمعيار موضوعي تلحق بالمدين خلل فادح في
أموره المالية .
·
أثر تطبيق النظرية :- متى اكتملت شروط انطباق النظرية
، جاز للمدين أن يلجأ إلى القاضي ليتدخل في العقد و يعدله بما يرد الالتزام المرهق
إلى الحد المعقول ، و أمام القاضي عدة وسائل لتحقيق ذلك :-
ü فإما
أن ينقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول .... بأن يقضي بانقاص حجم اداء
المدين كأن يلزم المورد بتقديم 800 وجبة فقط بدلا ً من الألف المتعاقد عليها مع
إدارة الجامعة . أو كأن يلزم المورد بتقديم ذات كم الوجبات المتعاقد عليها ( 1000
وجبة ) مع تخفيض في أصنافها أو أوزانها .
ü و
إما أن يزيد الالتزام المقابل للالتزام المرهق ..... بأن يكلف إدارة الجامعة
بأن تدفع للمورد عن الوجبة الواحدة 20 درهما ً بدلا ً من 10 دراهم ( رغم أن
تكلفتها الحالية 30 درهم ) . ذلك أن هدف القاضي هو ليس إزالة الالتزام المرهق كلية
، و إنما رده إلى الحد المعقول حتى لو ظل المدين محملا ً بقدر من الخسائرالمعقولة
لا الفادحة . و عندئذ بحق لإدارة الجامعة التمسك بفسخ العقد ، و هو موقف – بلا شك –
في مصلحة المدين المرهق بالتزامه .
ü و
إما أن يوقف تنفيذ العقد لحين زوال الظرف الطارئ .... و عندئذ يعاود
العقد ترتيب آثاره على طرفيه بذات الشروط المدرجة فيه . كأن يقدر القاضي أن
الارتفاع العالمي في سعر البترول مرتبط بظروف اندلاع حرب في منطقة الخليج ، فيوقف
تنفيذ المدين لالتزامه بتوريد البترول لحين توقف الحرب و عودة أسعار البترول لسابق
عهدها . و لكن ذلك مشروط بألا يكون في وقف تنفيذ العقد ضرراً جسيما ً بالدائن ، و
بأن يكون الظرف الطارئ من طبيعة مؤقته .
·
طبيعة أثر النظرية :- هذا الأثر لنظرية الظروف
الطارئة من النظام العام فيبطل كل اتفاق على استبعاده مسبقا ً . اما بعد وقوع
الظرف الطارئ فيجوز اتفاق المتعاقدين على صلح مضمون خلاف القواعد السابقة .
1) تنص المادة 246 معاملات
مدنية إماراتي على أنه " 1- يجب تنفيذ العقد .......... " .
2)
تنص المادة 267 معاملات مدنية إماراتي على أنه " إذا كان العقد صحيحا ً لازما
، فلا يجوز لأحد المتعاقدين الرجوع فيه و لا تعديله و لا فسخه إلا بالتراضي أو
التقاضي أو بمقتضى نص في القانون .
3)
المادة 145 معاملات تنص على " القبول في عقود الأذعان يقتصر على مجرد التسليم
بشروط متماثلة يضعها الموجب لسائر عملائه و لا يقبل مناقشة فيها . " .
4)
تنص المادة 248 معاملات مدنية على انه
" إذا تم العقد بطريق الأذعان و كان قد تضمن شروطا ً تعسفية جاز
للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها وفقا ً لما تقضي به العدالة
و يقع باطلا ً كل اتفاق على خلاف ذلك. " .
5)
تنص المادة 249 معاملات مدنية إماراتي على أنه " إذا طرأت حوادث استثنائية
عامة لم يكن في الوسع توقعها ، و ترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي و إن
لم يصبح مستحيلا ً ، صار مرهقا ً للمدين ، بحيث يهدده بخسارة فادحة ، جاز للقاضي
تبعا ً للظروف و بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد
المعقول إذا اقتضت العدالة ذلك ، و يقع باطلا ُ كل اتفاق على خلاف ذلك .".
6)
تنص المادة 273/1 معاملات مدنية إماراتى على انه " 1- في العقود الملزمة
للجانبين ، إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ اللتزام مستحيلا ً ، انقضى معه الالتزام
المقابل له ، و انفسخ العقد من تلقاء نفسه.".