كانت سنة 1923 سنة عسر، وإذا حل العسر في بلد زادت المنازعات والخصومات،
ويعتبر جدول قضايا نزع الملكية مقياسًا لدرجة الأزمة التي تعانيها البلاد،
وها إحصاء رسمي عن قضايا نزع الملكية في المحاكم المختلطة في الإسكندرية،
وفي مصر، وفي المنصورة، ننشره نقلاً عن جريدة الأهرام الصادرة في يوم
الأربعاء 27 فبراير سنة 1924 ففيه عظة وعبرة.
في الإسكندرية:
بلغ
عدد ما أصدرته المحكمة المختلطة من أحكام البيع الإجباري في الشهور
الأربعة الأولى من السنة القضائية - من 16 أكتوبر سنة 1923 إلى 15 فبراير
الجاري - تسعين حكمًا قضى في 60 منها بتسليم الأراضي المبيعة لطالبي البيع
لعدم وجود مزاحمين لهم، وفي 30 حكمًا لمشترين آخرين.
وقد كانت
الأراضي المبيعة بمقتضى تلك الأحكام عبارة عن 4966 فدانًا منها 4012
فدانًا و12 قيراطًا و13 سهمًا رسا مزادها على الدائنين طالبي البيع و953
فدانًا وقيراطين و9 أسهم رسا مزادها على الغير.
وبلغ مجموع الثمن 156.273 جنيهًا فكان متوسط ثمن الفدان 31 جنيهًا ونصف الجنيه.
وبلغ
ثمن الأملاك التي آلت بحكم المزاد إلى الدائنين 120.570 جنيهًا، وثمن
الأملاك التي آلت إلى الغير 35.703 ج م، فكان متوسط ثمن الفدان في الحالة
الأولى 30 جنيهًا ومتوسطه في الثانية 37.5 ج م، وبلغ ما طلبته تلك الأحكام
من المصروفات 5792 جنيهًا فكان متوسط ما أصاب الحكم الواحد منها 64 جنيهًا
ونصف الجنيه ما عدا الرسم النسبي ومعدله خمسة جنيهات لكل حكم لأوراق
الدعوى.
وقد بلغ عدد الأحكام المختصة ببيع العقارات أي الأملاك
المبنية في الإسكندرية 23 حكمًا، وبلغت الأثمان فيها 370.567 جنيهًا، وهذا
المبلغ الكبير يدخل فيه مبلغ 326.000 جنيه (ثلاثمائة وستة وعشرين ألفًا)
نتج من بيع عقارات لورثة الخواجة أشالي في قضية بيع اختياري لفائدة أحد
الورثة والشركاء وهذا لا يدخل في البيوع الإجبارية في الحقيقة ويجب
استثناؤه وحسبان الباقي وهو عبارة عن 44.567 جنيهًا، وكان هذا المبلغ ثمن
أملاك مبنية بيعت بالمزاد العلني في قضايا نزع الملكية، وكان عدد الأحكام
فيها 21 حكمًا وبلغت مصروفاتها 938 جنيهًا.
في مصر:
بلغ ما أصدرته المحكمة من أحكام البيع الإجباري في مصر 69 حكمًا منها 27 لطالبي البيع والباقي لغيرهم.
وكانت الأطيان المبيعة 891 فدانًا مجموع أثمانها 64588 جنيهًا.
فبلغ متوسط ثمن الفدان 72 جنيهًا.
وقد
آل من الأطيان المبيعة 493 فدانًا وكسور الفدان لطالبي البيع بثمن قدره
28341 جنيهًا فكان متوسط ثمن الفدان 68 جنيهًا ونصف الجنيه وآل الباقي
لغيرهم، وبلغت مصروفات هذه الأحكام (69) حكمًا 3727 جنيهًا بمعدل 54
جنيهًا لكل حكم.
أما قضايا المباني وأراضي البناء التي بيعت في مصر
القاهرة بيعًا إجباريًا في المدة عينها فقد كانت الأحكام الصادرة فيها 33
حكمًا، وبلغ ثمن المباني المبيعة بموجبها 18436 جنيهًا، وكان 18 من تلك
الأحكام لطالبي البيع بمبلغ 6596 جنيهًا، وبلغت نفقاتها 907 جنيهات فكان
متوسط ما أصاب الحكم الواحد من النفقات 27 جنيهًا.
في المنصورة:
أصدرت
محكمة المنصورة في المدة ذاتها 91 حكمًا ببيع الأطيان بالمزاد منها 21
حكمًا لطالبي البيع والباقي لغيرهم، وأصدرت 7 أحكام لإثبات بيع أملاك أخرى
آل المبيع فيها لغير طالبي البيع.
وكانت الأطيان المبيعة عبارة عن617 فدانًا و3 قراريط وسهم وبلغت أثمانها 22773 جنيهًا فكان متوسط ثمن الفدان 34 جنيهًا.
والأطيان
المبيعة لغير الدائنين طالبي البيع كانت 1362 فدانًا و13 قيراطًا و9 أسهم
وأثمانها 60946 جنيهًا فكان متوسط ثمن الفدان 44 جنيهًا و750 مليمًا.
أما
قضايا العقارات أو الأملاك المبنية فقد أصدرت محكمة المنصورة منها في
المدة المذكورة بعض أحكام غير مهمة بلغت أثمان المبيع فيها 889 جنيهًا
ومصاريف نزع الملكية 113 جنيهًا فكان متوسط ما أصاب الحكم 16 جنيهًا
وكسورًا.
ولا يخفي أن المشتري الذي يرسو عليه المزاد يتحتم عليه أن
يدفع غير الثمن مصاريف نزع الملكية ورسم البيع النسبي وهو 2 في المائة أو
5 في المائة حسب القانون ورسم إدارة القضية وقد بلغت مصاريف نزع الملكية
في الأحكام الواحد والستين المتقدم ذكرها المختصة ببيع الأطيان 3397
جنيهًا، وكان متوسط ما أصاب الحكم 55 جنيهًا و700 مليم، أما رسم أوراق
القضية فيبلغ 4 جنيهات في كل حكم.
وأهم ما يلفت النظر من أمر الأحكام
المتقدمة أن الأراضي التي بيعت بالمزاد العلني في الثلث الأول من هذه
السنة القضائية لتسديد الديون - وهي عبارة عن 7836 فدانًا - بيعت كلها إلا
قليلاً منها للأجانب من دائنين وغير دائنين ممن رسا عليهم المزاد، وهذا
معناه أن ترك الحبل على الغارب يؤدي بطبيعة الحال إلى حرمان البلاد من
أكثر أراضيها الزراعية في المستقبل وإلى أيلولة تلك الأراضي إلى الأجانب.
ثم
يلاحظ أن نفقات البيوع تبلغ مبالغ كبيرة في قضايا نزع الملكية ويرى القارئ
أن نسبة هذه النفقات إلى الثمن في أحكام المنصورة تبلغ نحوًا من 13 في
المائة، وهذا كثير جدًا لأن نسبة المصروف إلى الثمن في بيوع الأطيان تبلغ
عادةً 4 في المائة، وفوق هذه النفقات يتحتم على البائع دفع رسوم أوراق
القضية والرسم النسبي والتسجيل وكل هذه تضاف إلى الحساب وتسفر العملية عن
خروج الفلاح من قضايا نزع الملكية خاوي الوفاض.
وقد ذكرنا في بعض
الرسائل التي نشرناها منذ شهور قليلة في هذا الموضوع أن ما يذهب من
الأملاك المرهونة بحكم البيع الإجباري إلى الدائنين الطالبي البيع لا تزيد
قيمته على قيمة الدين وأن ما يؤول إلى غيرهم بالمزاد تزيد قيمته زيادة
محسوسة، ويرى القارئ من البيان المتقدم أن الفرق بين هذا وذاك يبلغ عشرة
جنيهات وأكثر للفدان الواحد.
إن أطيان الدقهلية لا يقل سعرها عادةً
عن 70 أو 80 جنيهًا للفدان ولكن في قضايا نزع الملكية بيع الفدان منها
بأقل من 45 جنيهًا فالفرق كان عبارة عن مجرد خسارة لا مبرر لها.
أننا
نكرر لفت النظر إلى خطورة مسألة الديون الأهلية ونرجو أن يتيسر للباحثين
فيها أن يحلوا عقدتها حلاً يحرر الأمة من نير الديون وحملها الثقيل.