مشكلة التحكيم
في منازعات العقودالإدارية
فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بعدم جوازالتحكيم في منازعات العقود الإدارية
بتاريخ 19-2-1997 أصدرت الجمعيةالعمومية لقسمي الفتوى والتشريع فتوى انتهت فيها الي عدم جواز
التحكيم في منازعاتالعقود الإدارية لطابعها الخاص .
وفي محاولة للتوفيق بين الآراء التيذهبت الي إطلاق التحكيم أيا كانت طبيعة العقد تشجيعاً للاستثمار وبين
ما استقر عليهقضاء المحكمة الإدارية العليا
وانتهت إليه مؤخراً فتوى الجمعية العمومية لقسميالفتوى والتشريع من عدم جواز
التحكيم في العقود الإدارية إلا بضوابط لما تقتضيه هذهالعقود من شروط استثنائية تجعل
لجهة الإدارة " وجه سطوه ونفوذ " في العلاقاتالعقدية القائمة مع الطرف الآخر
بما يتلائم مع موضوع عقد يتعلق بتسيير المرافقالعامة ؛ تدخل المشرع المصري
فأصدر القانون رقم 9 لسنة 1997 بإضافة فقرة ثانية اليالمادة الأولي من قانون التحكيم
؛ نصت علي جواز الاتفاق علي التحكيم في منازعاتالعقود الإدارية بشرط موافقة
الوزير المختص أو من يتولي اختصاصه بالنسبة للأشخاصالاعتباريـة العامة مع عدم جواز
التفويض في ذلك .
تبرير حظر التحكيم في منازعات العقود الإدارية إلا بموافقة
الوزير المختص أومن يتولى اختصاصه .
قضت المحكمة الإدارية العليا : إن العقد يعتبر إدارياًإذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً و متصلاً بمرفق عام و متضمناً
شروطاً غيرمألوفة فى نطاق القانون الخاص ،
فإذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة مجتمعة كان عقداًإدارياً يختص به القضاء الإداري
بحسب ولايته المحددة . و غنى عن البيان أن الشروطالمتقدمة تسرى بالنسبة للعقود
الإدارية المسماة فى القانون لاعتبارها كذلك فإذا كانالعقد المسمى مبرماً لتحقيق
مصلحة خاصة و ليس فى نصوصه شروط غير مألوفة فى القانونالخاص فهو عقد من عقود هذا
القانون و تخرج المنازعة بشأنه عن ولاية القضاء الإداري .
و على ضوء هذه المبادئ المستقرة فإنه إذا
كانت الهيئة الدائمة لاستصلاحالأراضي و هى من أشخاص القانون
العام قد أبرمت عقداً يقوم الطرف الثاني فيه بتوريدعدد من العجول إليها لخدمة
المرفق العام القائمة على إدارته ، ذلك أنه تزرع مساحاتشاسعة من الأراضى التابعة
للمرفق بنبات البرسيم بقصد إصلاح هذه الأراضي ، و تعذرتصريفه فقد رصدت الهيئة 90000
جنيه فى ميزانيتها على ذمة شراء عجول لاستهلاك هذاالنبات و مد الأرض بالسماد
العضوي لا بغرض الربح و إنما لتسيير المرفق فى نطاقهالعام بالوصول إلى الهدف الذى
قام لتحقيقه و هو زيادة رقعة الأرض المنزرعة فيتوافربذلك الإنتاج الزراعي و
الحيواني بما يسد حاجة البلاد المتزايدة ، و متى كان الأمركذلك يكون التعاقد قد انصب على شئ يتعلق باحتياجات المرفق العام و
تسييره .
و يبينمن نصوص العقد و شروطه أن بعضها
غير مألوف فى مجال القانون الخاص ، فالنص على حقالهيئة فى توقيع غرامة يومية
قدرها جنيه عند الإخلال بأى شرط من شروط العقد إنما هونص استثنائي غير مألوف فى العقد
الخاص و لا يعرف القانون المدني سوى الغرامةالتهديدية فنص فى المادة
"213" على أنه إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أوغير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه ، جاز للدائن أن يحصل على حكم
بإلزام المدينبهذا التنفيذ و بدفع غرامة
تهديديه إن امتنع عن ذلك و إذا رأى القاضى أن مقدارالغرامة ليس كافياً لإكراه
المدين على الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد فىالغرامة كلما رأى داعياً
للزيادة . و ظاهر من هذا النص أن الحكم الذى تناوله مغايرتماماً للنص الوارد فى العقد خاصاً بالغرامة ، كذلك النص فى العقد
على حق الإدارةالمطلق فى فسخه إذا أخل المورد
بأى شرط من الشروط ، لأن مثل هذا الشرط غير مألوفأيضاً فى نطلق القانون الخاص و
مغاير لأحكام الفسخ الواردة المبينة فى المواد 157 ، 158 ، 159 ، 160 ، 161 من القانون المدني و يكفى
احتواء العقد على شرط استثنائيواحد لإظهار نية الإدارة فى
الأخذ بأسلوب القانون العام و أحكامه ، هذا إلى أنهواضح من الصورة التى تم على
أساسها التعاقد فى 1956/12/10 أن القواعد الخاصة به قدوضعتها الهيئة من قبل و قام
المتعاقدان بدفع التأمين فى 8 من ديسمبر سنة 1956 و كلذلك من مقومات العقد الإدارى
غير المألوفة فى مجال القانون الخاص و من ثم يكونالعقد موضوع الدعوى قد تكاملت
له العناصر الثلاثة المشار إليها بإعتباره عقداًإدارياً مما يختص بنظره القضاء
الإدارى ، و لا يقدح فى هذا النظر إستناد الإدارة فىالإنذار المرسل منها إلى
المطعون ضدهما إلى نصين واردين فى القانون المدني و هماالسابق الإشارة إليهما ، و ذلك
أن بعض القواعد و المبادئ العامة فى القانون المدنىمما لا تختلف فيه روابط القانون
العام عن روابط القانون الخاص و بالتالى فليس ثمةما يمنع من نقلها إل نطاق
القانون العام و إدماجها فى القواعد الخاصة به و النصاناللذان نقلتهما الإدارة من
القانون الخاص ليس فيهما أى تعارض مع النظام القانونىالذى تخضع له العقود الإدارية و
تطور القانون الإداري و إن إتجه إلى الاستقلالبمبادئه و أحكامـه إلا أن ذلك
لا يعنى قطع الصلة من غير مقتض بينه وبين القانونالمدني .
كما قضت المحكمة الإدارية العليا : أن سلطة القاضى فىتبيان الخطأ الذى وقع فى العقد لا يقل عن سلطته فى فسخه أو تعديله
فله أن يتحرىالإرادة الظاهرة للمتعاقدين
للوقوف على الخطأ الذى شاب هذه الإرادة من واقع الظروفو الملابسات ، فإذا إستبان له
وجود خطأ قام بتصحيحه بما يتحقق معه التعبير الصحيحللإرادة بحيث يستغل أحدهما ما
وقع فى العقد خطأ عند الكتابة .
فإذا كانت ظروف الدعوى تنادى بوقوع خطأ
مادى عند تحرير العطاء ، المقدم منالشركة المدعية فى الرقم الذى
اتجهت إرادتها إلى وضعه كثمن للكيس رقم 6 فأغفلت عنسهو و خطأ وضع الجنية فى الخانة
المعدة له و قد ترتب على ذلك الخطأ المادى أو السهوأن دون كتابة بالنظر فقط إلى
الثمن المدون خطأ بالرقم و على هذه الصورة تسلسل الخطأبمجرد أن تكشفت الشركة الخطأ
عند فتح المظاريف و إعلان الأسعار بادرت فوراً إلىأخطار المصلحة بهذا الخطأ و
بينت لها ظروف وقوعه و استحالة التقدم بالسعر المدون فىالعطاء ، و قد عرضت هذه الشكوى
على لجنة البت فى العطاءات المقدمة فلم تر فيها مايستحق النظر ، لا لأن الإدعاء
غير صحيح . و إنما لأنها قدمت بعد فتح المظاريف وإعلان الأسعار مما يمتنع معه
النظر فى شكوى من هذا القبيل بالتطبيق لقانونالمناقصات و المزايدات "
المادة 43 من اللائحة " .
و لما كانت هذه المحكمة تستخلص من أوراق
الطعن و من استعراض دفاع الطرفين وما ساقه كل منهما من حجج مستندة
إلى الواقع أو القانون أن الشركة قد وقعت فى خطأمادي عند تدوين الرقم الذى قبلت
أن تورد الكيس رقم 6 على أساسه فسقط عند التدوينرقم الجنيه و لا يمكن أن ينصرف
هذا الخطأ إلى سوء فى تقدير السعر عند وضعه لأن سوءالتقدير لا يمكن أن يصل إلى حد
إعطاء سعر هو دون التكلفة بكثير و الشركة لا تقومبصناعة المادة التى تصنع منها
الكيس بل تشتريها فهي على علم إذن بثمن التكلفة ، كماو أن سعر هذا الكيس لم يقل فى
الماضي عن جنيه و بضعة قروش ، و عادة يكون الأشخاصالذين يدخلون فى مثل هذه
العطاءات على بينة من الأسعار السابقة ، و قد لوحظ أن هذهالأسعار فى إزدياد من سنة إلى أخرى ، و مثل هذا الخطأ المادى ليس له
من عاصم منواقع القانون لأن الممنوع هو
الإدعاء بخطأ فى تقدير الثمن أو فى تقدير ظروف التوريدو شروطه أو فى المادة المطلوب
توريدها و ذلك بعد إعلان الأسعار. و أما الخطأ الذىمرده إلى سقطات القلم عند
الكتابة فليس فى نصوص القانون ما يمنع تصحيحه ، و كان يجبعلى لجنة البت أن تقوم هى بالتصحيح قبل تصويب العطاء ، كما يقضى
القانون بذلك لأنالعطاء على هذه الصورة يحتوى
على أخطاء حسابية نتيجة لعم احتساب الجنيه الذى أغفلوضعه خطأ فى الخانة المعدة له ،
و بناء على ذلك فإن امتناع لجنة البت عن التصحيح وقبول عطاء الشركة المدعية بوصفه
أقل العطاءات المقدمة سعراً لا يغير من الأمر شيئاًبعد التصحيح ، لأن سعرها مع ذلك
يظل دون الأسعار الأخرى المقدمة من هذا الصنف منالأكياس ، و الملاحظ أن اللجنة
فى هذه المناقصة قد جرت على قاعدة الأخذ بالأسعارالأقل دن أى اعتبار آخر .