انت الزائر رقم |
.: عدد زوار المنتدى :.
|
احصائيات | هذا المنتدى يتوفر على 271 عُضو. آخر عُضو مُسجل هو أماني محمد هلال فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1632 مساهمة في هذا المنتدى في 1446 موضوع
|
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
المتواجدون الآن ؟ | ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر لا أحد أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 35 بتاريخ الأربعاء يونيو 07, 2023 12:41 pm |
|
| كتاب الطلاق | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: كتاب الطلاق الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:52 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
باب فيمن خبب امرأة على زوجها
حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده
( أخبرنا عمار بن رزيق ) : بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة مصغرا ( ليس منا )
: أي من أتباعنا ( من خبب ) : بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي خدع وأفسد ( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندها ( أو عبدا )
: أي أفسده ( على سيده ) : بأي نوع من الإفساد . وفي معناهما إفساد الزوج على امرأته والجارية على سيدها . قال المنذري وأخرجه النسائي .
باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها
( لا تسأل المرأة طلاق أختها ) : أي في كونها من بنات آدم ( لتستفرغ صحفتها ) : وفي رواية البخاري : لتستفرغ ما في صحفتها . والصحفة إناء كالقصعة , يعني لتجعل تلك المرأة قصعة أختها خالية عما فيها , وهذا كناية عن أن يصير لها ما كان يحصل لضرتها من النفقة وغيرها ( ولتنكح ) : عطف على لتستفرغ وكلاهما علة للنهي أي لتجعل صحفتها فارغة لتفوز بحظها وتنكح زوجها . وقال العلامة ابن الملك في شرح المشارق قوله ولتنكح بالنصب بصيغة المعلوم يعني لتنكح طالبة الطلاق زوج تلك المطلقة , وإن كانت الطالبة والمطلوبة تحت رجل يحتمل أن يعود ضميره إلى المطلوبة يعني لتنكح ضرتها زوجا آخر , فلا تشترك معها فيه . وروي على صيغة المجهول يعني لتجعل منكوحة له . وروي ولتنكح بصيغة الأمر المعلوم المجهول عطفا على قوله لا تسأله يعني لتثبت تلك المرأة المنكوحة على نكاحها الكائن مع الضرة قانعة بما يحصل لها فيه , أو معناه ولتنكح تلك المرأة الغير المنكوحة زوجا غير زوج أختها , ولتترك ذلك الزوج لها , أو معناه لتنكح تلك المخطوبة زوج أختها , ولتكن ضرة عليها إذا كانت صالحة للجمع معها من غير أن تسأل طلاق أختها ( فإنما لها ما قدر لها ) : يعني أن الله تعالى يوصل إلى تلك المرأة ما قدر لها من النفقة وغيرهما سواء كانت منفردة أو مع أخرى . قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي وأخرجه مسلم من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة .
باب في كراهية الطلاق
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف عن محارب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق
( أخبرنا معرف ) : بكسر الراء المشددة هو ابن واصل السعدي الكوفي ثقة من السادسة ( ما أحل الله ) : ما نافية ( شيئا أبغض إليه من الطلاق ) : فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوبا بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض قال الخطابي في المعالم : معنى الكراهية فيه منصرف إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة وقلة الموافقة الداعية إلى الطلاق , لا إلى نفس الطلاق , فقد أباح الله تعالى الطلاق , وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طلق بعض نسائه ثم راجعها , وكانت لابن عمر امرأة يحبها وكان عمر يكره صحبته إياها فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدعا به , فقال يا عبد الله طلق امرأتك فطلقها , وهو لا يأمر بأمر يكرهه الله سبحانه . انتهى . قال المنذري : هذا مرسل .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد روى الدارقطني من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " , وفيه حميد بن مالك , وهو ضعيف . وفي مسند البزار من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تطلق النساء إلا من ريبة , إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات " .
حدثنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق
( أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق ) : قيل كون الطلاق مبغوضا مناف لكونه حلالا , فإن كونه مبغوضا يقتضي رجحان تركه على فعله , وكونه حلالا يقتضي مساواة تركه لفعله . وأجيب بأن المراد بالحلال ما ليس تركه بلازم الشامل للمباح والواجب والمندوب والمكروه , وقد يقال الطلاق حلال لذاته , والأبغضية لما يترتب عليه من انجراره إلى المعصية . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه , والمشهور فيه المرسل وهو غريب . وقال البيهقي في رواية ابن أبي شيبة يعني محمد بن عثمان عن عبد الله بن عمر ولا أراه يحفظه .
باب في طلاق السنة
قال الإمام البخاري في صحيحه : طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويشهد شاهدين انتهى . وقال الحافظ في الفتح : روى الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } قال في الطهر من غير جماع . وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك انتهى .
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع أن ابن عمر طلق امرأة له وهي حائض تطليقة بمعنى حديث مالك
( أنه طلق امرأته ) : اسمها آمنة بنت غفار أو بنت عمار . وفي مسند أحمد أن اسمها النوار . قال الحافظ فيمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار
( وهي حائض )
: جملة حالية معترضة ( على عهد ) : أي في عهد
( عن ذلك ) : أي عن حكم طلاقه ( مره فليراجعها ) : أمر استحباب عند جمع من الحنفية . قال العيني : وبه قال الشافعي وأحمد . وقال صاحب الهداية : الأصح أن المراجعة واجب عملا بحقيقة الأمر ورفعا للمعصية بالقدر الممكن ( ثم ليمسكها حتى تطهر ) : أي من الحيضة التي طلقها فيها ( ثم تحيض )
: أي حيضة أخرى ( ثم تطهر )
: أي من الحيضة الثانية ( ثم إن شاء أمسك بعد ذلك ) : أي بعد الطهر من الحيضة الثانية ( وإن شاء طلق ) : أي في الطهر الثاني ( قبل أن يمس ) : أي قبل أن يجامع . وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك , فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع , أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملا فيمسكها لأجله . وقيل الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها , فيجامعها , فيذهب ما في نفسه فيمسكها . كذا في النيل ( فتلك العدة التي أمر الله ) : أي في قوله : { فطلقوهن لعدتهن } ( أن تطلق لها النساء ) : قال الخطابي في المعالم ما حاصله أن اللام في قوله لها بمعنى في كما يقول القائل : كتبت لخمس ليال خلون من الشهر أي في وقت خلا فيه من الشهر خمس ليال وقوله تلك إشارة إلى ما ولي الكلام المتقدم وهو الطهر أي فالأطهار أو حالة الطهر العدة التي أمر الله أن تطلق فيها النساء , ففي الحديث بيان أن الأقراء التي تعتد بها هي الأطهار دون الحيض . واعلم أنه استدل الشافعية ومن وافقهم بقوله فتلك العدة إلخ على أن عدة المطلقة هو ثلاثة أطهار قالوا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها في الطهر وجعله العدة ونهاه أن يطلق في الحيض وأخرجه من أن يكون عدة ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار وأجاب الطحاوي بأنه ليس المراد ههنا بالعدة هو العدة المصطلحة الثابتة بالكتاب التي هي ثلاثة قروء بل عدة طلاق النساء أي وقته وليس أن ما يكون عدة تطلق لها النساء يجب أن يكون العدة التي تعتد بها النساء , وقد جاءت العدة لمعان . وفيه ما فيه . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي . ( طلق امرأة له وهي حائض تطليقة ) : ظهر بهذه الرواية أنه إنما كان ابن عمر طلق امرأته في الحيض تطليقه واحدة .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل
( فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت ) : فيه جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها , وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع . واستدل القائلون بالجواز بظاهر هذه الرواية وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض , فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار . واستدل المانعون بالرواية الأولى ففيها نص أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي كان طلق فيها بل في الطهر التالي للحيضة الأخرى ( أو وهي حامل ) : قال الخطابي : فيه بيان أنه إذا طلقها وهي حامل فهو مطلق للسنة , ويطلقها في أي وقت شاء في الحمل , وهو قول كافة العلماء . واختلف أصحاب الرأي فيها , فقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجعل بين وقوع التطليقتين شهرا حتى يستوفي التطليقات الثلاث . وقال محمد بن الحسن وزفر : لا يوقع عليها وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة ويتركها حتى تضع حملها ثم يوقع سائر التطليقات انتهى . قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله عز وجل
( فتغيظ ) : فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام كذا قال علي القاري ( ثم إن شاء طلقها طاهرا ) : قال في الفتح : اختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ : " مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها " ( كما أمر الله تعالى ) : أي بقوله { فطلقوهن لعدتهن } . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أخبرني يونس بن جبير أنه سأل ابن عمر فقال كم طلقت امرأتك فقال واحدة
( كم طلقت امرأتك فقال واحدة ) : فيه نص على أنه طلقها واحدة وقد تظاهرت روايات مسلم بأنها طلقة واحدة . والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا القعنبي حدثنا يزيد يعني ابن إبراهيم عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال سألت عبد الله بن عمر قال قلت رجل طلق امرأته وهي حائض قال أتعرف عبد الله بن عمر قلت نعم قال فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها في قبل عدتها قال قلت فيعتد بها قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق
( تعرف ابن عمر ) : وفي بعض النسخ أتعرف بذكر همزة الاستفهام ( فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته ) : حكى عن نفسه بلفظ الغيبة ( في قبل عدتها ) : بضمتين أي في إقباله وأوله ( فمه ) : أي فماذا للاستفهام فأبدل الألف هاء للوقف أي فما يكون وإن لم يحتسب بتلك الطلقة أو هو كلمة زجر أن انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبا في عدد الطلاق ( أرأيت ) : أي أخبرني ( إن عجز ) : أي عن فرض فلم يقمه ( واستحمق ) : فلم يأت به أيكون ذلك عذرا له . وقال النووي : الهمزة في أرأيت للاستفهام الإنكاري أي نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته . وقال الخطابي في المعالم : فيه حذف وإضمار كأنه يقول أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه قال : وفي الحديث بيان أن طلاق الحائض واقع ولولا أنه قد وقع لم يكن لأمره في المراجعة معنى . وقال النووي : قد أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة , وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه والصواب الأول وبه قال العلماء كافة انتهى . قلت : قد أطال ابن القيم في زاد المعاد في إثبات أن طلاق الحائض لا يقع فعليك أن تطالعه . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن
في قبل عدتهن قال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبي وائل معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير
( أنه ) : أي أبو الزبير ( سمع عبد الرحمن بن أيمن ) : بنصب الدال مفعول ( مولى عروة ) : بدل من عبد الرحمن ( يسأل ) : أي عبد الرحمن ( ابن عمر ) : بالنصب ( وأبو الزبير يسمع ) : جملة حالية ( قال ) : أي عبد الرحمن ( كيف ترى )
: الخطاب لابن عمر رضي الله عنهما ( ولم يرها شيئا ) : أي لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك التطليقة شيئا يعتد به . وفيه دليل لمن قال إن طلاق الحائض لا يقع . والقائلون بوقوع طلاق الحائض قالوا إن قوله ولم يرها شيئا منكرا لم يقله غير أبي الزبير . قال الخطابي : قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا , وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئا باتا تحرم معه المراجعة ولا يحل له إلا بعد زوج , أو لم يره شيئا جائزا في السنة ماضيا في حكم الاختيار وإن كان لازما له على سبيل الكراهة والله أعلم انتهى . وأبو داود أيضا قد أشار إلى نكارة قوله ولم يرها شيئا حيث قال والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير . قال المنذري : وأخرجه النسائي .
( قال أبو داود وروي هذا الحديث عن ابن عمر إلخ ) : حاصل كلامه أن هذا الحديث أي حديث ابن عمر في تطليقه امرأته حائضا رواه عنه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور , وفي روايات هؤلاء كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها , ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وليس في رواياتهم ذكر حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها . ومثل هؤلاء رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر . وروى هذا الحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر ونافع عنه , وفي روايتهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها ثم تحيض أي حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها ثم تطهر أي من الحيضة الثانية ثم إن شاء طلق أو أمسك . ففي روايتهما زيادة وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر مثل روايتهما ( والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ) : أي في قوله ولم يرها شيئا . قال المنذري : وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير , والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه . وقال أبو سليمان الخطابي : حديث يونس بن جبير أثبت من هذا . وقال أهل الحديث : لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا . وقال أبو عمر النمري : ولم يقله عنه أحد غير أبي الزبير , وقد رواه عنه جماعة جلة فلم يقل ذلك واحد منهم . وأبو الزبير ليس بحجة في من خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه , وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئا باتا تحرم معه المراجعة إلى آخر ما نقلت كلام الخطابي تحت قوله ولم يرها شيئا .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج مسلم في صحيحه " حديث أبي الزبير هذا بحروفه " إلا أنه لم يقل " ولم يرها شيئا " بل قال : " فردها " , وقال " إذا طهرت " إلى آخره . وقد دل حديث ابن عمر هذا على أمور : منها : تحريم الطلاق في الحيض . ومنها : أنه حجة لمن قال بوقوعه , قالوا : لأن الرجعة إنما تكون بعد الطلاق , ونازعهم في ذلك آخرون . وقالوا : لا معنى لوقوع الطلاق , والأمر بالمراجعة , فإنه لو لم يعد الطلاق , لم يكن لأمره بالرجعة معنى , بل أمره بارتجاعها , وهو ردها إلى حالها الأولى قبل تطليقها , دليل على أن الطلاق لم يقع . قالوا : وقد صرح بهذا في حديث أبي الزبير المذكور آنفا . قالوا : وأبو الزبير ثقة في نفسه صدوق حافظ , إنما تكلم في بعض ما رواه عن جابر معنعنا لم يصرح بسماعه منه , وقد صرح في هذا الحديث بسماعه من ابن عمر , فلا وجه لرده . قالوا : ولا يناقض حديثه ما تقدم من قول ابن عمر فيه : " أرأيت إن عجز واستحمق " وقوله " فحسبت من طلاقها " , لأنه ليس في ذلك لفظ مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله " ولم يرها شيئا " مرفوع صريح في عدم الوقوع . قالوا : وهذا مقتضى قواعد الشريعة . فإن الطلاق لما كان منقسما إلى حلال وحرام , كان قياس قواعد الشرع أن حرامه باطل غير معتد به , كالنكاح وسائر العقود التي تنقسم إلى حلال وحرام , ولا يرد على ذلك الظهار , فإنه لا يكون قط إلا حراما , لأنه منكر من القول وزور , فلو قيل لا يصح , لم يكن للظهار حكم أصلا . قالوا : وكما أن قواعد الشريعة أن النهي يقتضي التحريم , فكذلك يقتضي الفساد , وليس معنا ما يستدل به على فساد العقد إلا النهي عنه . قالوا : ولأن هذا طلاق منع منه صاحب الشرع , وحجر على العبد في اتباعه , فكما أفاد منعه وحجره عدم جواز الإيقاع أفاد عدم نفوذه , وإلا لم يكن للحجر فائدة , وإنما فائدة الحجر عدم صحة ما حجر على المكلف فيه . قالوا : ولأن الزوج لو أذن له رجل بطريق الوكالة أن يطلق امرأته طلاقا معينا فطلق غير ما أذن له فيه , لم ينفذ لعدم إذنه . والله سبحانه إنما أذن للعبد في الطلاق المباح , ولم يأذن له في المحرم , فكيف تصححون ما لم يأذن به , وتوقعونه , وتجعلونه من صحيح أحكام الشرع ؟ ! قالوا : ولأنه لو كان الطلاق نافذا في الحيض لكان الأمر بالمراجعة والتطليق بعده تكثيرا من الطلاق البغيض إلى الله , وتقليلا لما بقي من عدده الذي يتمكن من المراجعة معه . ومعلوم أنه لا مصلحة في ذلك . قالوا : وإن مفسدة الطلاق الواقع في الحيض , لو كان واقعا , لا يرتفع بالرجعة والطلاق بعدها , بل إنما يرتفع بالرجعة المستمرة التي تلم شعث النكاح , وترقع خرقه . فأما رجعة يعقبها طلاق , فلا تزيل مفسدة الطلاق الأول , لو كان واقعا . قالوا : وأيضا فما حرمه الله سبحانه من العقود , فهو مطلوب الإعدام بكل طريق حتى يجعل وجوده كعدمه في حكم الشرع , ولهذا كان ممنوعا من فعله , باطلا في حكم الشرع والباطل شرعا كالمعدوم . ومعلوم أن هذا هو مقصود الشارع مما حرمه ونهى عنه , فالحكم ببطلان ما حرمه ومنع منه أدنى إلى تحصيل هذا المطلوب وأقرب , بخلاف ما إذا صحح , فإنه يثبت له حكم الوجود . قالوا : ولأنه إذا صحح استوى هو والحلال في الحكم الشرعي , وهو الصحة . وإنما يفترقان في موجب ذلك من الإثم والذم ومعلوم أن الحلال المأذون فيه لا يساوي المحرم الممنوع منه البتة . قالوا : وأيضا فإنما حرم لئلا ينفذ ولا يصح , فإذا نفذ وصح , وترتب عليه حكم الصحيح , كان ذلك عائدا على مقتضى النهي بالإبطال . قالوا : وأيضا فالشارع إنما حرمه ونهى عنه لأجل المفسدة التي تنشأ من وقوعه , فإن ما نهى عنه الشرع وحرمه لا يكون قط إلا مشتملا عن مفسدة خالصة أو راجحة , فنهى عنه قصدا لإعدام تلك المفسدة . فلو حكم بصحته ونفوذه لكان ذلك تحصيلا للمفسدة التي قصد الشارع إعدامها , وإثباتا لها . قالوا : وأيضا فالعقد الصحيح هو الذي يترتب عليه أثره , ويحصل منه مقصوده . وهذا إنما يكون في العقود التي أذن فيها الشارع , وجعلها أسبابا لترتب آثارها عليها , فما لم يأذن فيه ولم يشرعه كيف يكون سببا لترتب آثاره عليه , ويجعل كالمشروع المأذون فيه . قالوا : وأيضا فالشارع إنما جعل للمكلف مباشرة الأسباب فقط , وأما أحكامها المترتبة عليها فليست إلى المكلف , وإنما هي إلى الشارع , فهو قد نصب الأسباب وجعلها مقتضيات لأحكامها , وجعل السبب مقدورا للعبد , فإذا باشره رتب عليه الشارع أحكامه . فإذا كان السبب محرما كان ممنوعا منه ولم ينصبه الشارع مقتضيا لآثار السبب المأذون فيه , والحكم ليس إلى المكلف حتى يكون إيقاعه إليه غير مأذون فيه , ولا نصبه الشارع لترتب الآثار عليه , فترتيبها عليه إنما هو بالقياس على السبب المباح المأذون فيه ! وهو قياس في غاية الفساد , إذ هو قياس أحد النقيضين على الآخر في التسوية بينهما في الحكم , ولا يخفى فساده . قالوا : وأيضا فصحة العقد هو عبارة عن ترتب أثره المقصود للمكلف عليه , وهذا الترتب نعمة من الشارع , أنعم بها على العبد , وجعل له طريقا إلى حصولها بمباشرة الأسباب التي أذن له فيها , فإذا كان السبب محرما منهيا عنه كانت مباشرته معصية , فكيف تكون المعصية سببا لترتب النعمة التي قصد المكلف حصولها ! قالوا : وقد علل من أوقع الطلاق , وأوجب الرجعة , إيجاب الرجعة بهذه العلة بعينها وقالوا : أوجبنا عليه الرجعة معاملة له بنقيض قصده , فإنه ارتكب أمرا محرما , يقصد به الخلاص من الزوجة , فعومل بنقيض قصده , فأمر برجعتها . قالوا : فما جعلتموه أنتم علة لإيجاب الرجعة , فهو بعينه علة لعدم وقوع الطلاق الذي قصده المكلف بارتكابه ما حرم الله عليه . ولا ريب أن دفع وقوع الطلاق أسهل من دفعه بالرجعة , فإذا اقتضت هذه العلة دفع أثر الطلاق بالرجعة , فلأن تقتضي دفع وقوعه أولى وأحرى . قالوا : وأيضا فلله تعالى في الطلاق المباح حكمان : أحدهما : إباحته والإذن فيه , والثاني : جعله سببا للتخلص من الزوجة . فإذا لم يكن الطلاق مأذونا فيه انتفى الحكم الأول , وهو الإباحة , فما الموجب لبقاء الحكم الثاني , وقد ارتفع سببه . ومعلوم أن بقاء الحكم بدون سببه ممتنع ولا تصح دعوى أن الطلاق المحرم سبب لما تقدم قالوا : وأيضا فليس في لفظ الشارع " يصح كذا ولا يصح " , وإنما يستفاد ذلك من إطلاقه ومنعه , فما أطلقه وأباحه فباشره المكلف حكم بصحته , بمعنى أنه وافق أمر الشارع . فصح , وما لم يأذن فيه ولم يطلقه فباشره المكلف حكم بعدم صحته , بمعنى أنه خالف أمر الشارع وحكمه . وليس معنا ما يستدل به على الصحة والفساد إلا موافقة الأمر والإذن , وعدم موافقتهما . فإن حكمتم بالصحة مع مخالفة أمر الشارع وإباحته , لم يبق طريق إلى معرفة الصحيح من الفاسد , إذ لم يأت من الشرع إخبار بأن هذا صحيح وهذا فاسد غير الإباحة والتحريم , فإذا جوزتم ثبوت الصحة مع التحريم , فبأي شيء تستدلون بعد ذلك على فساد العقد وبطلانه . قالوا : وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " , وفي لفظ : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " , والرد فعل بمعنى المفعول , أي فهو مردود , وعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة , حتى كأنه نفس الرد , وهذا تصريح بإبطال كل عمل على خلاف أمره ورده , وعدم اعتباره في حكمه المقبول , ومعلوم أن المردود هو الباطل بعينه , بل كونه ردا أبلغ من كونه باطلا , إذ الباطل قد يقال لما لا تقع فيه أو لما منفعته قليلة جدا وقد يقال لما ينتفع به ثم يبطل نفعه , وأما المردود فهو الذي لم يجعله شيئا ولم يترتب عليه مقصوده أصلا . قالوا : فالمطلق في الحيض قد طلق طلاقا ليس عليه أمر الشارع , فيكون مردودا , فلو صح ولزم لكان مقبولا منه , وهو خلاف النص . قالوا : وأيضا فالشارع أباح للمكلف من الطلاق قدرا معلوما في زمن مخصوص ولم يملكه أن يتعدى القدر الذي حد له , ولا الزمن الذي عين له , فإذا تعدى ما حد له من العدد كان لغوا باطلا , فكذلك إذا تعدى ما حد له من الزمان يكون لغوا باطلا , فكيف يكون عدوانه في الوقت صحيحا معتبرا لازما , وعدوانه أنه في العدد لغوا باطلا ؟ قالوا : وهذا كما أن الشارع حد له عددا من النساء معينا في وقت معين , فلو تعدى ما حد له من العدد كان لغوا وباطلا . وكذلك لو تعدى ما حد له من الوقت , بأن ينكحها قبل انقضاء العدة مثلا , أو في وقت الإحرام , فإنه يكون لغوا باطلا . فقد شمل البطلان نوعي التعدي عددا أو وقتا . قالوا : وأيضا فالصحة إما أن تفسر بموافقة أمر الشارع , وإما أن تفسر بترتب أثر الفعل عليه , فإن فسرت بالأول لم يكن تصحيح هذا الطلاق ممكنا , وإن فسرت بالثاني وجب أيضا أن لا يكون العقد المحرم صحيحا , لأن ترتب الثمرة على العقد إنما هو بجعل الشارع العقد كذلك , ومعلوم أنه لم يعتبر العقد المحرم , ولم يجعله مثمرا لمقصوده , كما مر تقديره . قالوا : وأيضا فوصف العقد المحرم بالصحة , مع كونه منشئا للمفسدة ومشتملا على الوصف المقتضي لتحريمه وفساده , جمع بين النقيضين فإن الصحة إنما تنشأ عن المصلحة , والعقد المحرم لا مصلحة فيه . بل هو منشئ لمفسدة خالصة أو راجحة . فكيف تنشأ الصحة من شيء هو منشئ المفسدة . قالوا : وأيضا فوصف العقد المحرم بالصحة إما أن يعلم بنص من الشارع , أو من قياسه , أو من توارد عرفه في مجال حكمه بالصحة , أو من إجماع الأمة . ولا يمكن إثبات شيء من ذلك في محل النزاع , بل نصوص الشرع تقتضي رده وبطلانه , كما تقدم , وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه , وكذلك استقراء موارد عرف الشرع في مجال الحكم بالصحة , إنما يقتضي البطلان في العقد المحرم لا الصحة , وكذلك الإجماع , فإن الأمة لم تجمع قط , ولله الحمد , على صحة شيء حرمه الله ورسوله , لا في هذه المسألة ولا في غيرها , فالحكم بالصحة فيها إلى أي دليل يستند . قالوا : وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مره فليراجعها " فهذا حجة لنا على عدم الوقوع , لأنه لما طلقها . والرجل من عادته إذا طلق امرأته أن يخرجها عنه , أمره بأن يراجعها ويمسكها , فإن هذا الطلاق الذي أوقعه ليس بمعتبر شرعا , ولا تخرج المرأة عن الزوجية بسببه , فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد في قصة نحله ابنه النعمان غلاما " رده " . ولا يدل أمره إياه برده على أن الولد قد ملك الغلام , وأن الرد إنما يكون بعد الملك , فكذلك أمره برد المرأة ورجعتها لا يدل على أنه لا يكون إلا بعد نفوذ الطلاق , بل لما ظن ابن عمر جواز هذا الطلاق فأقدم عليه قاصدا لوقوعه , رد إليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته , وأمره أن يردها , ورد الشيء إلى ملك من أخرجه لا يستلزم خروجه عن ملكه شرعا , كما ترد العين المغصوبة إلى مالكها , ويقال للغاصب : ردها إليه ولا يدل ذلك على زوال ملك صاحبها عنها وكذلك إذا قيل : رد على فلان ضالته , ولما باع على أحد الغلامين الأخوين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " رده , رده " وهذا أمر بالرد حقيقة . قالوا : فقد وفينا اللفظ حقيقته التي وضع لها . قالوا : وأيضا فقد صرح ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه ولم يرها شيئا " وتعلقكم على أبي الزبير مما لا متعلق فيه , فإن أبا الزبير إنما يخاف من تدليسه , وقد صرح هذا بالسماع كما تقدم , فدل على أن الأمر بمراجعتها لا يستلزم نفوذ الطلاق . قالوا : والذي يدل عليه أن ابن عمر قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض : " لا يعتد بذلك " , ذكره الإشبيلي في الأحكام من طريق محمد بن عبد السلام الخشني قال : حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال , في الرجل يطلق امرأته وهي حائض , قال ابن عمر : لا يعتد بذلك " , وذكره ابن حزم في كتاب المحلى بإسناده من طريق الخشني . وهذا إسناد صحيح . قالوا : وقد روى الدارقطني في سننه بإسناد شيعي عن أبي الزبير قال : " سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثا , وهي حائض ؟ فقال لي : أتعرف عبد الله بن عمر ؟ قلت : نعم , قال : طلقت امرأتي ثلاثا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فردها رسول الله إلى السنة " , قال الدارقطني : كلهم شيعة , ولم يزد على هذا . ولكن هذا الحديث باطل قطعا , ولا تحتج به , وإنما ذكرناه للتعريف بحاله ولو كان إسناده ثقات لكان غلطا , فإن المعروف من رواية الإثبات عن ابن عمر أنه إنما طلق تطليقة واحدة , كما رواه مسلم في الصحيح من حديث يونس بن جبير , ولكن لو حاكمنا منازعينا إلى ما يقرون به من أن رواية أهل البدع مقبولة , فكم في الصحيح من رواية الشيعة الغلاة , والقدرية , والخوارج , والمرجئة , وغيرهم , لم يتمكنوا من الطعن في هذا الحديث بأن رواته شيعة , إذ مجرد كونهم شيعة لا يوجب رد حديثهم . وبعد ففي معارضته بحديث يونس بن جبير " أنه طلقها تطليقة " كلام ليس هذا موضعه , فإن من جعل الثلاث واحدة قال هي ثلاث في اللفظ , وهي واحدة في الحكم , على ما في حديث أبي الصهباء عن ابن عباس . والله أعلم . قالوا : وأما قولكم إن نافعا أثبت في ابن عمر وأولى به من أبي الزبير وأخص , فروايته أولى أن نأخذ بها , فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض , فكيف ولا تعارض بينهما ؟ فإن رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تحسب عليه , وأما نافع فرواياته ليس فيها شيء صريح قط , أن النبي صلى الله عليه وسلم حسبها عليه , بل مرة قال " فمه " أي فما يكون ؟ وهذا ليس بإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حسبها , ومرة قال " أرأيت إن عجز واستحمق ؟ " وهذا رأي محض , ومعناه أنه ركب خطة عجز , واستحمق , أي ركب أحموقة وجهالة , فطلق في زمن لم يؤذن له في الطلاق فيه , ومعلوم أنه لو كان عند ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم حسبها عليه لم يحتج أن يقول للسائل " أرأيت إن عجز واستحمق ؟ " , فإن هذا ليس بدليل على وقوع الطلاق , فإن من عجز واستحمق يرد إلى العلم والسنة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكيف يظن بابن عمر أنه يكتم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتداد بتلك الطلقة , ثم يحتج بقوله " أرأيت إن عجز واستحمق " , وقد سأله مرة رجل عن شيء فأجابه بالنص , فقال السائل : أرأيت إن كان كذا وكذا ؟ قال : " اجعل أرأيت باليمن " , ومرة قال " تحسب من طلاقها " , وهذا قول نافع , ليس قول ابن عمر , كذلك جاء مصرحا به في هذا الحديث في الصحيحين , قال عبد الله لنافع " ما فعلت التطليقة ؟ قال : واحدة أعتد بها " , وفي بعض ألفاظه : " فحسبت تطليقة " , وفي لفظ للبخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر : " فحسبت علي بتطليقة " , ولكن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن جبير عنه , وخالف نافع وأنس بن سيرين ويونس بن جبير وسائر الرواة عن ابن عمر , فلم يذكروا " فحسبت علي " , وانفراد ابن جبير بها , كانفراد أبي الزبير بقوله " ولم يرها شيئا " , فإن تساقطت الروايتان لم يكن في سائر الألفاظ دليل على الوقوع , وإن رجح إحداهما على الأخرى فرواية أبي الزبير صريحة في الرفع , ورواية سعيد بن جبير غير صريحة في الرفع , فإنه لم يذكر فاعل الحساب , فلعل أباه حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث , وحسبه عليهم , اجتهادا منه , ومصلحة رآها للأمة , لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم , فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه , وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتسب عليهم به ثلاثا في لفظ واحد فلما رأى عمر الناس قد أكثروا منه رأى إلزامهم به , والاحتساب عليهم به . قالوا : وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة في هذا الباب , ويتبين وجهها , ويزول عنها التناقض والاضطراب , ويستغنى عن تكلف التأويلات المستكرهة لها , ويتبين موافقتها لقواعد الشرع وأصوله . قالوا : وهذا الظن بعمر رضي الله عنه أنه إذا احتسب على الناس بالطلاق الثلاث احتسب على ابنه بتطليقته التي طلقها في الحيض , وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئا مثل كون الطلاق الثلاث على عهده كان واحدة . وإلزام عمر الناس بذلك , كإلزامه له بهذا , وأداه اجتهاده رضي الله عنه إلى أن ذلك كان تخفيفا ورفقا بالأمة , لعلة إيقاعهم الطلاق وعدم تتابعهم فيه , فلما أكثروا منه وتتابعوا فيه ألزمهم بما التزموه , وهذا كما أداه اجتهاده في الجلد في الخمر ثمانين , وحلق الرأس فيه والنفي , والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد فيه أربعين , ولم يحلق فيه رأسا , ولم يغرب , فلما رأى الناس قد أكثروا منه واستهانوا بالأربعين ضاعفها عليهم , وحلق ونفى . ولهذا نظائر كثيرة ستذكر في موضع آخر إن شاء الله . قالوا : وتوهم من توهم أنا خالفنا الإجماع في هذه المسألة غلط , فإن الخلاف فيها أشهر من أن يجحد , وأظهر من أن يستر . وإذا كانت المسألة من موارد النزاع فالواجب فيها امتثال ما أمر الله به ورسوله , من رد ما تنازع فيه العلماء إلى الله ورسوله , وتحكيم الله ورسوله , دون تحكيم أحد من الخلق , قال تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } . فهذه بعض كلمات المانعين من الوقوع . ولو استوفينا الكلام في المسألة لاحتملت سفرا كبيرا , فلنقتصر على فوائد الحديث . قال الموقعون : وفيه دليل على أن الرجعة يستقل بها الزوج دون الولي ورضا المرأة , لأنه جعل ذلك إليه , دون غيره , ودلالة القرآن على هذا أظهر من هذه الدلالة . قال تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } فجعل الأزواج أحق بالرجعة من المرأة والولي . واختلفوا في قوله " مره فليراجعها " : هل الأمر بالرجعة على الوجوب أو الاستحباب ؟ فقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأحمد في إحدى الروايتين بل أشهرهما عنه : الأمر بالرجعة استحباب . قال بعضهم : لأن ابتداء النكاح إذا لم يكن واجبا فاستدامته كذلك , وقال مالك في الأشهر عنه , وداود وأحمد في الرواية الأخرى : الرجعة واجبة الأمر بها , ولأن الطلاق لما كان محرما في هذا الزمن كان بقاء النكاح واستدامته فيه واجبا , وبهذا يبطل قولهم إذا لم يجب ابتداء النكاح لم تجب استدامته , فإن الاستدامة ها هنا واجبة لأجل الوقت , فإنه لا يجوز فيه الطلاق . قالوا : ولأن الرجعة إمساك , بدليل قوله { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فالإمساك مراجعتها في العدة , والتسريح تركها حتى تنقضي عدتها . وإذا كانت الرجعة إمساكا , فلا ريب في وجوب إمساكها في زمن الحيض , وتحريم طلاقها , فتكون واجبة . ثم اختلف الموجبون للرجعة في علة ذلك : فقالت طائفة : إنما أمره برجعتها ليقع الطلاق الذي أراده في زمن الإباحة , وهو الطهر الذي لم يمسها فيه , فلو لم يرتجعها لكان الطلاق الذي ترتبت عليه الأحكام هو الطلاق المحرم , والشارع لا يرتب الأحكام على طلاق محرم , فأمر برجعتها , ليطلقها طلاقا مباحا , يترتب عليه أحكام الطلاق . وقالت طائفة : بل أمره برجعتها عقوبة له على طلاقها في زمن الحيض , فعاقبه بنقيض قصده , وأمره بارتجاعها , عكس مقصوده . وقالت طائفة : بل العلة في ذلك أن تحريم الطلاق في زمن الحيض معلل بتطويل العدة فأمره برجعتها ليزول المعنى الذي حرم الطلاق في الحيض لأجله . وقال بعض الموجبين إن أبى رجعتها أجبر عليها . فإن امتنع ضرب وحبس , فإن أصر حكم عليه برجعتها وأشهد أنه قد ردها عليه , فتكون امرأته , يتوارثان , ويلزمه جميع حقوقها , حتى يفارقها فراقا ثانيا , قاله أصبغ وغيره من المالكية . ثم اختلفوا . فقال مالك : يجبر على الرجعة , إن طهرت , ما دامت في العدة , لأنه وقت للرجعة . وقال أشهب : إذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت لم تجب رجعتها في هذه الحال , وإن كانت في العدة , لأنه لا يجب عليه إمساكها في هذه الحال لجواز طلاقها فيه , فلا يجب عليه رجعتها فيه , إذ لو وجبت الرجعة في هذا الوقت لحرم الطلاق فيه . وقوله صلى الله عليه وسلم " حتى تطهر , ثم تحيض , ثم تطهر , ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق " قال البيهقي : أكثر الروايات عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر , ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك " فإن كانت الرواية عن سالم ونافع وابن دينار في أمره " بأن يراجعها , حتى تطهر , ثم تحيض , ثم تطهر " , محفوظة , فقد قال الشافعي : يحتمل أن يكون إنما أراد بذلك الاستبراء , أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام , ثم حيض تام , ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها , أبالحمل هي أم بالحيض ؟ أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل , وهو غير جاهل ما صنع , أو يرغب فيمسك للحمل , أو ليكون إن كانت سألت الطلاق غير حامل أن تكف عنه حاملا . آخر كلامه . وأكثر الروايات في حديث ابن عمر مصرحة بأنه إنما أذن في طلاقها بعد أن تطهر من تلك الحيضة , ثم تحيض ثم تطهر , هكذا أخرجاه في الصحيحين من رواية نافع عنه , ومن رواية ابنه سالم عنه . وفي لفظ متفق عليه : " ثم يمسكها حتى تطهر , ثم تحيض عنده حيضة أخرى , ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها " , وفي لفظ آخر متفق عليه : " مره فليراجعها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها " , ففي تعدد الحيض والطهر ثلاثة ألفاظ محفوظة متفق عليها , من رواية ابنه سالم ومولاه نافع وعبد الله بن دينار وغيرهم , والذين زادوا قد حفظوا ما لم يحفظه هؤلاء . ولو قدر التعارض فالزائدون أكثر وأثبت في ابن عمر وأخص به , فرواياتهم أولى , لأن نافعا مولاه أعلم الناس بحديثه , وسالم ابنه كذلك , وعبد الله بن دينار من أثبت الناس فيه , وأرواهم عنه , فكيف يقدم اختصار أبي الزبير , ويونس بن جبير على هؤلاء ؟ ومن العجب تعليل حديث أبي الزبير في ردها عليه من غير احتساب بالطلقة بمخالفة غيره له , ثم تقدم روايته التي سكت فيها عن تعدد الحيض والطهر على رواية نافع وابن دينار وسالم ! فالصواب الذي لا يشك فيه أن هذه الرواية ثابتة محفوظة , ولذلك أخرجها أصحاب الصحيحين . واختلف في جواز طلاقها في الطهر المتعقب للحيضة التي طلق فيها على قولين : هما روايتان عن أحمد ومالك : أشهرهما عند أصحاب مالك : المنع حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى تلك الحيضة , ثم تطهر كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني يجوز طلاقها في الطهر المتعقب لتلك الحيضة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة , وأحمد في الرواية الأخرى . ووجهه أن التحريم إنما كان لأجل الحيض , فإذا طهرت زال موجب التحريم , فجاز طلاقها في هذا الطهر كما يجوز في الطهر الذي بعده , وكما يجوز أيضا طلاقها فيه , لو لم يتقدم طلاق في الحيض , ولأن في بعض طرق حديث ابن عمر في الصحيح " ثم ليطلقها طاهرا , أو حاملا " وفي لفظ " ثم ليطلقها طاهرا من غير جماع في قبل عدتها " وفي لفظ " فإذا طهرت فليطلقها لطهرها , قال : فراجعها ثم طلقها لطهرها " وفي حديث أبي الزبير وقال " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك " وكل هذه الألفاظ في الصحيح . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:54 pm | |
| وأما أصحاب القول الثاني فاحتجوا بما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بإمساكها حتى تحيض , ثم تطهر ثم تحيض , ثم تطهر . وقد تقدم . قالوا : وحكمة ذلك من وجوه : أحدها : أنه لو طلقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها . وهذا عكس مقصود الرجعة , فإن الله سبحانه إنما شرع الرجعة لإمساك المرأة وإيوائها , ولم شعث النكاح , وقطع سبب الفرقة , ولهذا سماه إمساكا , فأمره الشارع أن يمسكها في ذلك الطهر , وأن لا يطلق فيه حتى تحيض حيضة أخرى , ثم تطهر , لتكون الرجعة للإمساك لا للطلاق . قالوا : وقد أكد الشارع هذا المعنى , حتى إنه أمر في بعض طرق هذا الحديث بأن يمسكها في الطهر المتعقب لتلك الحيضة , فإذا حاضت بعده وطهرت , فإن شاء طلقها قبل أن يمسها , فإنه قال " مره فليراجعها , فإذا طهرت مسها , حتى إذا طهرت أخرى , فإن شاء طلقها , وإن شاء أمسكها " ذكره ابن عبد البر , وقال : الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء , لأنه المبتغى من النكاح , ولا يحصل الوطء إلا في الطهر , فإذا وطئها حرم طلاقها فيه , حتى تحيض . ثم تطهر , فاعتبرنا مظنة الوطء ومحله , ولم يجعله محلا للطلاق . الثاني : أن الطلاق حرم في الحيض لتطويل العدة عليها , فلو طلقها عقب الرجعة من غير وطء لم تكن قد استفادت بالرجعة فائدة , فإن تلك الحيضة التي طلقت فيها لم تكن تحتسب عليها من العدة , وإنما تستقبل العدة من الطهر الذي يليها , أو من الحيضة الأخرى , على الاختلاف في الأقراء , فإذا طلقها عقب تلك الحيضة كانت في معنى ممن طلقت ثم راجعها , ولم يمسها حتى طلقها , فإنها تبنى على عدتها في أحد القولين , لأنها لم تنقطع بوطء , فالمعنى المقصود إعدامه من تطويل العدة موجود بعينه هنا , لم يزل بطلاقها عقب الحيضة , فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق جملة بالوطء , فاعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء , فإذا وطئ حرم طلاقها , حتى تحيض ثم تطهر . ومنها : أنها ربما كانت حاملا , وهو لا يشعر , فإن الحامل قد ترى الدم بلا ريب , وهل حكمه حكم الحيض , أو دم فساد ؟ على الخلاف فيه , فأراد الشارع أن يستبرئها بعد تلك الحيضة بطهر تام , ثم بحيض تام , فحينئذ تعلم هل هي حامل أو حائل ؟ فإنه ربما يمسكها إذا علم أنها حامل منه , وربما تكف هي عن الرغبة في الطلاق إذا علمت أنها حامل , وربما يزول الشر الموجب للطلاق بظهور الحمل , فأراد الشارع تحقيق علمها بذلك , نظرا للزوجين , ومراعاة لمصلحتهما , وحسما لباب الندم وهذا من أحسن محاسن الشريعة . وقيل : الحكمة فيه أنه عاقبه بأمره بتأخير الطلاق جزاء له على ما فعله من إيقاعه على الوجه المحرم . ورد هذا بأن ابن عمر لم يكن يعلم التحريم . وأجيب عنه بأن هذا حكم شامل له ولغيره من الأمة , وكونه رضي الله عنه لم يكن عالما بالتحريم يفيد نفي الإثم , لا عدم ترتب هذه المصلحة على الطلاق المحرم في نفسه . وقيل : حكمته أن الطهر الذي بعد تلك الحيضة هو من حريم تلك الحيضة , فهما كالقرء الواحد , فلو شرع الطلاق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد , وليس هذا بطلاق السنة . وقيل : حكمته أنه نهى عن الطلاق في الطهر , ليطول مقامه معها , ولعله تدعوه نفسه إلى وطئها , وذهاب ما في نفسه من الكراهة لها , فيكون ذلك حرصا على ارتفاع الطلاق البغيض إلى الله , المحبوب إلى الشيطان , وحضا على بقاء النكاح , ودوام المودة والرحمة والله أعلم . وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثم ليطلقها طاهرا " وفي اللفظ الآخر " فإذا طهرت فليطلقها إن شاء " هل المراد به انقطاع الدم , أو التطهر بالغسل , أو ما يقوم مقامه من التيمم ؟ على قولين , هما روايتان عن أحمد : إحداهما : أنه انقطاع الدم وهو قول الشافعي . والثانية : أنه الاغتسال , وقال أبو حنيفة , إن طهرت لأكثر الحيض حل طلاقها بانقطاع الدم , وإن طهرت لدون أكثره لم يحل طلاقها حتى تصير في حكم الطاهرات بأحد ثلاثة أشياء , إما أن تغتسل , وإما أن تتيمم عند العجز وتصلي , وإما أن يخرج عنها وقت صلاة , لأنه متى وجد أحد هذه الأشياء حكمنا بانقطاع حيضها . وسر المسألة أن الأحكام المترتبة على الحيض نوعان : منها ما يزول بنفس انقطاعه كصحة الغسل والصوم , ووجوب الصلاة في ذمتها . ومنها ما لا يزول إلا بالغسل كحل الوطء , وصحة الصلاة , وجواز اللبث في المسجد , وصحة الطواف , وقراءة القرآن على أحد الأقوال , فهل يقال الطلاق من النوع الأول , أو من الثاني ؟ ولمن رجح إباحته قبل الغسل أن يقول : الحائض إذا انقطع دمها صارت كالجنب , يحرم عليها ما يحرم عليه , ويصح منها ما يصح منه , ومعلوم أن المرأة الجنب لا يحرم طلاقها . ولمن رجح الثاني أن يجيب عن هذا بأنها لو كانت كالجنب لحل وطؤها , ويحتج بما رواه النسائي في سننه من حديث المعتمر بن سليمان قال : سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله : " أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة , فانطلق عمر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مر عبد الله فليراجعها , فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها , فإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " . وهذا على شرط الصحيحين , وهو مفسر لقوله : " فإذا طهرت " فيجب حمله عليه . وتمام هذه المسألة : أن العدة هل تنقضي بنفس انقطاع الدم وتنقطع الرجعة , أم لا تنقطع إلا بالغسل , وفيه خلاف بين السلف والخلف , يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى . وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثم ليطلقها طاهرا قبل أن يمس " دليل على أن طلاقها في الطهر الذي مس فيه ممنوع منه وهو طلاق بدعة , وهذا متفق عليه , فلو طلق فيه . قالوا : لم يجب عليه رجعتها , قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الرجعة لا تجب في هذه الصورة , وليس هذا الإجماع ثابتا , وإن كان قد حكاه صاحب المغني أيضا , فإن أحد الوجهين في مذهب أحمد وجوب الرجعة في هذا الطلاق , حكاه في الرعاية , وهو القياس , لأنه طلاق محرم , فتجب الرجعة فيه , كما تجب في الطلاق في زمن الحيض . ولمن فرق بينهما أن يقول : زمن الطهر وقت للوطء وللطلاق , وزمن الحيض ليس وقتا لواحد منهما , فظهر الفرق بينهما , فلا يلزم من الأمر بالرجعة في غير زمن الطلاق الأمر بها في زمنه , ولكن هذا الفرق ضعيف جدا , فإن زمن الطهر متى اتصل به المسيس صار كزمن الحيض في تحريم الطلاق سواء , ولا فرق بينهما , بل الفرق المؤثر عند الناس أن المعنى الذي وجبت لأجله الرجعة إذا طلقها حائضا منتف في صورة الطلاق في الطهر الذي مسها فيه , فإنها إنما حرم طلاقها في زمن الحيض لتطويل العدة عليها , فإنها لا تحتسب ببقية الحيضة قرءا اتفاقا . فتحتاج إلى استئناف ثلاثة قروء كوامل , وأما الطهر فإنها تعتد بما بقي منه قرءا , ولو كان لحظة , فلا حاجة بها إلى أن يراجعها , فإن من قال الأقراء الأطهار كانت أول عدتها عنده عقب طلاقها , ومن قال هي الحيض استأنف بها بعد الطهر , وهو لو راجعها ثم أراد أن يطلقها لم يطلقها إلا في طهر , فلا فائدة في الرجعة . هذا هو الفرق المؤثر بين الصورتين . وبعد , ففيه إشكال لا ينتبه له إلا من به خبرة بمأخذ الشرع وأسراره , وجمعه وفرقه . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها إذا شاء قبل أن يمسها , وقال : " فتلك العدة التي أمر بها الله أن تطلق لها النساء " , وهذا ظاهر في أن العدة إنما يكون استقبالها من طهر لم يمسها فيه , إن دل على أنها بالأطهار , وأما طهر قد أصابها فيه فلم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم من العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فكما لا تكون عدتها متصلة بالحيضة التي طلق فيها ينبغي أن لا تكون متصلة بالطهر الذي مسها فيه . لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما في المنع من الطلاق فيهما , وأخبر أن العدة التي أمر بها الله أن يطلق لها النساء هي من وقت الطهر الذي لم يمسها فيه , فمن أين لنا أن الطهر الذي مسها فيه هو أول العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء , وهذا مذهب أبي عبيد , وهو في الظهور والحجة كما ترى , وقال الإمام أحمد والشافعي ومالك وأصحابهم : لو بقي من الطهر لحظة حسبت لها قرءا , وإن كان قد جامع فيه , إذا قلنا : الأقراء الأطهار . قال المنتصرون لهذا القول : إنما حرم الطلاق في زمن الحيض دفعا لضرر تطويل العدة عليها , فلو لم تحتسب ببقية الطهر قرءا كان الطلاق في زمن الطهر أضر بها وأطول عليها . وهذا ضعيف جدا , فإنها إذ طلقت فيه قبل المسيس احتسب به , وأما إذا طلقت بعد المسيس كان حكمها حكم المطلقة في زمن الحيض , فكما لا تحتسب ببقية الحيضة لا تحتسب ببقية هذا الطهر الممسوسة فيه . قالوا : ولم يحرم الطلاق في الطهر لأجل التطويل الموجود في الحيض , بل إنما حرم لكونها مرتابة , فلعلها قد حملت من ذلك الوطء , فيشتد ندمه إذا تحقق الحمل , ويكثر الضرر . فإذا أراد أن يطلقها طلقها طاهرا من غير جماع , لأنهما قد تيقنا عدم الريبة , وأما إذا ظهر الحمل فقد دخل على بصيرة وأقدم على فراقها حاملا . قالوا : فهذا الفرق بين الطلاق في الحيض والطهر المجامع فيه . قالوا : وسر ذلك أن المرأة إن كانت حاملا من هذا الوطء فعدتها بوضع الحمل , وإن لم تكن قد حملت منه فهو قرء صحيح , فلا ضرر عليها في طلاقها فيه . ولمن نصر قول أبي عبيد أن يقول : الشارع إنما جعل استقبال عدة المطلقة من طهر لم يمسها فيه , ليكون المطلق على بصيرة من أمره , والمطلقة على بصيرة من عدتها أنها بالأقراء . فأما إذا مسها في الطهر ثم طلقها , لم يدر أحاملا أم حائلا , ولم تدر المرأة : أعدتها بالحمل أم بالأقراء , فكان الضرر عليهما في هذا الطلاق أشد من الضرر في طلاقها وهي حائض , فلا تحتسب ببقية ذلك الطهر قرءا , كما لم يحتسب الشارع به في جواز إيقاع الطلاق فيه . وهذا التفريع كله على أقوال الأئمة والجمهور . وأما من لم يوقع الطلاق البدعي فلا يحتاج إلى شيء من هذا . وقوله " ليطلقها طاهرا أو حاملا " دليل على أن الحامل طلاقها سني , قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة , قال الإمام أحمد : أذهب إلى حديث سالم عن أبيه " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " وعن أحمد رواية أخرى , أن طلاق الحامل ليس بسني ولا بدعي , وإنما يثبت لها ذلك من جهة العدد , لا من جهة الوقت , ولفظه " الحمل " في حديث ابن عمر انفرد بها مسلم وحده في بعض طرق الحديث . ولم يذكرها البخاري . فلذلك لم يكن طلاقها سنيا ولا بدعيا , لأن الشارع لم يمنع منه . فإن قيل : إذا لم يكن سنيا كان طلاقها بدعيا , لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أباح طلاقها في طهر لم يمسها فيه , فإذا مسها في الطهر وحملت واستمر حملها , استمر المنع من الطلاق , فكيف يبيحه تجدد ظهور الحمل , فإذا لم يثبتوا هذه اللفظة لم يكن طلاق الحامل جائزا . فالجواب : أن المعنى الذي لأجله حرم الطلاق بعد المسيس معدوم عند ظهور الحمل , لأن المطلق عند ظهور الحمل قد دخل على بصيرة , فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم , وليست المرأة مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها , بخلاف طلاقها مع الشك في حملها . والله أعلم . وقوله " طاهرا أو حاملا " احتج به من قال الحامل لا تحيض , لأنه صلى الله عليه وسلم حرم الطلاق في زمن الحيض , وأباحه في وقت الطهر والحمل , فلو كانت الحامل تحيض لم يبح طلاقها حاملا إذا رأت الدم , وهو خلاف الحديث . ولأصحاب القول الآخر أن يجيبوا عن ذلك , بأن حيض الحامل لم يكن له تأثير في العدة بحال لا في تطويلها ولا تخفيفها , إذا عدتها بوضع الحمل , أباح الشارع طلاقها حاملا مطلقا , وغير الحامل لم يبح طلاقها إلا إذا لم تكن حائضا , لأن الحيض يؤثر في العدة , لأن عدتها بالأقراء , فالحديث دل على أن المرأة لها حالتان , أحدهما : أن تكون حائلا , فلا تطلق إلا في طهر لم يمسها فيه . والثانية : أن تكون حاملا , فيجوز طلاقها . والفرق بين الحامل وغيرها في الطلاق إما هو بسبب الحمل وعدمه , لا بسبب حيض ولا طهر ولهذا يجوز طلاق الحامل بعد المسيس , دون الحائل , وهذا جواب سديد والله أعلم . وقد أفردت لمسألة الحامل هل تحيض أم لا ؟ مصنفا مفردا . وقد احتج بالحديث من يرى أن السنة تفريق الطلقات على الأقراء , فيطلق لكل قرء طلقة , وهذا قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين , وعن أحمد رواية كقولهم . قالوا : وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بإمساكها في الطهر المتعقب للحيض , لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل , والسنة أن يفصل بين الطلقة والطلقة قرء كامل , فإذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت . طلقها طلقة بائنة , لحصول الفصل بين الطلقتين بطهر كامل . قالوا : فلهذا المعنى اعتبر الشارع الفصل بين الطلاق الأول والثاني . قالوا : وفي بعض حديث ابن عمر " السنة أن يستقبل الطهر , فيطلق لكل قرء " وروى النسائي في سننه عن ابن مسعود قال : " طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع , فإذا حاضت فطهرت طلقها أخرى , فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى , ثم تعتد بعد ذلك بحيضة " . وهذا الاستدلال ضعيف , فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإمساكها في الطهر الثاني , ليفرق الطلقات الثلاث على الأقراء , ولا في الحديث ما يدل على ذلك , وإنما أمره بطلاقها طاهرا قبل أن يمسها , وقد ذكرنا حكمة إمساكها في الطهر الأول .
وأما قوله : " والسنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء " , فهو حديث قد تكلم الناس فيه وأنكروه على عطاء الخراساني , فإنه انفرد بهذه اللفظة دون سائر الرواة , قال البيهقي : وأما الحديث الذي رواه عطاء الخراساني عن ابن عمر في هذه القصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء " , فإنه أتى في هذا الحديث بزيادات لم يتابع عليها , وهو ضعيف في الحديث لا يقبل منه ما ينفرد به . وأما حديث ابن مسعود فمع أنه موقوف عليه , فهو حديث يرويه أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله , واختلف على أبي إسحاق فيه , فقال الأعمش عنه كما تقدم , وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه : " طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع " , ولعل هذا حديثان , والذي يدل عليه أن الأعمش قال : سألت إبراهيم , فقال لي مثل ذلك . وبالجملة فهذا غايته أن يكون قول ابن مسعود وقد خالفه علي وغيره . وقد روي عن ابن مسعود روايتان : إحداهما : التفريق , والثانية : إفراد الطلقة , وتركها حتى تنقضي عدتها . قال : " طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر , ثم يدعها حتى تنقضي عدتها , أو يراجعها إن شاء " , ذكره ابن عبد البر عنه . ولأن هذا أردأ طلاق لأنه طلاق من غير حاجة إليه , وتعريض لتحريم المرأة عليه إلا بعد زوج وإصابة , والشارع لا غرض له في ذلك ولا مصلحة للمطلق , فكان بدعيا . والله أعلم . وقوله " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " , احتج به من يرى الأقراء هي الأطهار . قالوا : واللام بمعنى الوقت , كقوله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وقول العرب : كتب لثلاث مضين ولثلاث بقين . وفي الحديث " فليصلها حين ذكرها , ومن الغد للوقت قالوا فهذه اللام الوقتية بمعنى ( فيه ) " . وأجاب الآخرون عن هذا بأن اللام في قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } هي اللام المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم " أن تطلق لها النساء " , ولا يصح أن تكون وقتية , ولا ذكر أحد من أهل العربية أن اللام تأتي بمعنى " في " أصلا . ولا يصح أن تكون بمعنى " في " , ولو صح في غير هذا الموضع , لأن الطلاق لا يكون في نفس العدة , ولا تكون عدة الطلاق ظرفا له قط , وإنما اللام هنا على بابها للاختصاص . والمعنى طلقوهن مستقبلات عدتهن , ويفسر هذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : " فطلقوهن في قبل عدتهن " , أي في الوقت الذي يستقبل فيه العدة . وعلى هذا فإذا طلقها في طهرها استقبلت العدة من الحيضة التي تليه , فقد طلقها في قبل عدتها , بخلاف ما إذا طلقها حائضا , فإنها لا تعتد بتلك الحيضة , وينتظر فراغها وانقضاء الطهر الذي يليها ثم تشرع , في العدة , فلا يكون طلاقها حائضا طلاقا في قبل عدتها , وقد أفردت لهذه المسألة مصنفا مستقلا ذكرت فيه مذاهب الناس ومآخذهم , وترجيح القول الراجح والجواب عما احتج به أصحاب القول الآخر . وقوله " مره فليراجعها " دليل على أن الأمر بالأمر بالشيء أمر به . وقد اختلف الناس في ذلك , وفصل النزاع أن المأمور الأول إن كان مبلغا محضا كأمر النبي صلى الله عليه وسلم آحاد الصحابة أن يأمر الغائب عنه بأمره , فهذا أمر به من جهة الشارع قطعا , ولا يقبل ذلك نزاعا أصلا , ومنه قوله " مرها فلتصبر ولتحتسب " وقوله " مروهم بصلاة كذا في حين كذا " ونظائره , فهذا الثاني مأمور به من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم , فإذا عصاه المبلغ إليه فقد عصى أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه , والمأمور الأول مبلغ محض , وإن كان الأمر متوجها إلى المأمور الأول توجه التكليف , والثاني غير مكلف , لم يكن أمرا للثاني من جهة الشارع , كقوله صلى الله عليه وسلم " مروهم بالصلاة لسبع " . فهذا الأمر خطاب للأولياء بأمر الصبيان بالصلاة , فهذا فصل الخطاب في هذا الباب . والله أعلم بالصواب . فهذه كانت نبهنا بها على بعض فوائد حديث ابن عمر , فلا تستطلها , فإنها مشتملة على فوائد جمة , وقواعد مهمة , ومباحث , لمن قصده الظفر بالحق , وإعطاء كل ذي حق حقه , من غير ميل مع ذي مذهبه , ولا خدمة لإمامه وأصحابه , بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تابع للدليل حريص على الظفر بالسنة والسبيل , يدور مع الحق أنى توجهت ركائبه , ويستقر معه حيث استقرت مضاربه , ولا يعرف قدر هذا السير إلا من علت همته , وتطلعت نوازع قلبه , واستشرفت نفسه إلى الارتضاع من ثدي الرسالة , والورود من عين حوض النبوة , والخلاص من شباك الأقوال المتعارضة , والآراء المتناقضة , إلى فضاء العلم الموروث , عمن لا ينطق عن الهوى , ولا يتجاوز نطقه البيان والرشاد والهدى , وبيداء اليقين التي من حلها حشد في زمرة العلماء , وعد من ورثة الأنبياء , وما هي إلا أوقات محدودة , وأنفاس على العبد معدودة , فلينفقها فيما شاء . أنت القتيل لكل من أحببته فانظر لنفسك في الهوى من تصطفي .
باب الرجل يراجع ولا يشهد
حدثنا بشر بن هلال أن جعفر بن سليمان حدثهم عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد
( عن يزيد الرشك ) : بكسر المهملة وإسكان المعجمة هو ابن أبي يزيد الضبعي ( ثم يقع بها ) : أي يجامعها للرجعة ( ولا تعد )
: نهى عن العود إلى ترك الإشهاد . وقد استدل بالحديث من قال بوجوب الإشهاد على الراجعة . وقد ذهب إلى عدم وجوب الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه . واستدل لهم بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه قال صلى الله عليه وسلم فليراجعها ولم يذكر الإشهاد . وقال مالك والشافعي : إنه يجب الإشهاد في الرجعة . والاحتجاج بحديث الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد , وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة . هذا تلخيص ما في النيل . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .
باب في سنة طلاق العبد
حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا علي بن المبارك حدثني يحيى بن أبي كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بإسناده ومعناه بلا إخبار قال ابن عباس بقيت لك واحدة قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل قال قال عبد الرزاق قال ابن المبارك لمعمر من أبو الحسن هذا لقد تحمل صخرة عظيمة قال أبو داود أبو الحسن هذا روى عنه الزهري قال الزهري وكان من الفقهاء روى الزهري عن أبي الحسن أحاديث قال أبو داود أبو الحسن معروف وليس العمل على هذا الحديث
( أنه استفتى ابن عباس ) : أي أنه طلب الفتوى من ابن عباس ( في مملوك كانت تحته مملوكة ) : أي كانت في نكاحه ( فطلقها ) : أي طلق المملوك المملوكة ( ثم عتقا ) : بصيغة المجهول ( بعد ذلك )
: أي بعد الطلاق ( هل يصلح له ) : أي هل يجوز للمملوك ( أن يخطبها ) : من الخطبة بالكسر ( قال ) : أي ابن عباس ( نعم ) : أي يجوز له . قال الخطابي في المعالم : لم يذهب إلى هذا أحد من العلماء فيما أعلم , وفي إسناده مقال . ومذهب عامة الفقهاء أن المملوكة إذا كانت تحت مملوك فطلقها تطليقتين أنها لا تصلح له إلا بعد زوج . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه . وأبو الحسن هذا قد ذكر بخير وصلاح , وقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب , وقد قال علي بن المديني : عمر بن المعتب منكر الحديث , وسئل أيضا عنه فقال مجهول لم يرو عنه غير يحيى يعني ابن أبي كثير . وقال أبو عبد الرحمن النسائي : عمر بن معتب ليس بالقوي . وقال الأمير أبو نصر : منكر الحديث . هذا آخر كلامه . ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء ثالث الحروف وكسرها وبعدها باء موحدة . انتهى كلام المنذري . ( بإسناده ومعناه بلا إخبار ) : أي بإسناد الحديث المذكور ومعناه لكن بصيغة العنعنة دون صيغة الإخبار ( بقيت لك واحدة ) : أي تطليقة واحدة لأنها صارت حرة وطلاقها ثلاثة ( قال ابن المبارك لمعمر من أبو الحسن هذا لقد تحمل صخرة عظيمة إلخ )
: ليست هذه العبارة في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري رحمه الله , وذكرها الخطابي ثم قال بعد ذلك : يريد بذلك إنكار ما جاء به من هذا الحديث .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وليس في المسألة إجماع , فإن إحدى الروايتين عن الإمام أحمد القول بهذا الحديث , قال : ولا أرى شيئا بدفعه وغير واحد يقول به : أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب , هذا آخر كلامه . وقال مرة : حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد , وحديث ابن عباس يرويه عمر ابن معتب , ولا أعرفه , ثم ذكر كلام ابن المبارك . قال أحمد : أما أبو حسن فهو عندي معروف , ولكن لا أعرف عمر بن معتب . وقال الإمام أحمد في رواية ابن منصور , في عبد تحته مملوكة , وطلقها تطليقتين ثم عتقا : يتزوجها وتكون على واحدة , على حديث عمر بن معتب . وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة : يتزوجها , ولا يبالي عتقا , أو بعد العدة , وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سلمة وقتادة . قال أبو بكر عبد العزيز : إن صح الحديث فالعمل عليه , وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد . وحديث عثمان وزيد الذي أشار إليه : هو ما رواه الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار : " أن نفيعا مكاتب أم سلمة طلق امرأته حرة بتطليقتين , فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك ؟ فقالا : حرمت عليك " .
حدثنا محمد بن مسعود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان قال أبو عاصم حدثني مظاهر حدثني القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال وعدتها حيضتان قال أبو داود وهو حديث مجهول
( طلاق الأمة ) : مصدر مضاف لمفعوله , أي تطليقها ( تطليقتان وقرؤها حيضتان ) : وفي الرواية الآتية وعدتها حيضتان . قال الخطابي في المعالم : اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة : الطلاق بالرجال والعدة بالنساء , روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس , وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق , فإذا كانت أمة تحت حر فطلاقها ثلاث وعدتها قرءان , وإن كانت حرة تحت عبد فطلاقها ثنتان وعدتها ثلاثة أقراء في قول هؤلاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري : الحرة تعتد ثلاثة أقراء كانت تحت حر أو عبد وطلاقها ثلاث كالعدة , والأمة تعتد قرأين ويطلق تطليقتين سواء كانت تحت حر أو عبد , والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه , ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا انتهى . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال أبو داود : هو حديث مجهول . وقال الترمذي : حديث غريب ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم , ومظاهر لا يعلم له في العلم غير هذا الحديث . هذا آخر كلامه . وقد ذكر له أبو أحمد بن عدي حديثا آخر رواه عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة . قلت : ومظاهر هذا مخزومي مكي ضعفه أبو عاصم النبيل . وقال يحيى بن معين : ليس بشيء مع أنه لا يعرف . وقال أبو حاتم الرازي : منكر الحديث . وقال الخطابي : والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت , ولكن أهل الحديث ضعفوه , ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا . وقال البيهقي : لو كان ثابتا قلنا به إلا أنا لا نثبت حديثا يرويه من تجهل عدالته وبالله التوفيق . هذا آخر كلامه . ومظاهر بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وبعد الألف هاء مكسورة وراء مهملة .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وللحديث بعد علة عجيبة , ذكرها البخاري في تاريخه الكبير قال مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة رفعه " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " قال أبو عاصم : حدثنا ابن جريج عن مظاهر , ثم لقيت مظاهرا فحدثنا به وكان أبو عاصم يضعف مظاهرا , وقال يحيى بن سليمان : حدثنا ابن وهب قال : حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه : " أنه كان جالسا عند أبيه , فأتاه رسول الأمير , فقال : إن الأمير يقول لك : كم عدة الأمة ؟ قال : عدة الأمة حيضتان , وطلاق الحر الأمة ثلاث , وطلاق العبد الحرة تطليقتان , وعدة الحرة ثلاث حيض " ثم قال للرسول : أين تذهب ؟ قال : أمرني أن أسأل القاسم بن محمد , وسالم بن عبد الله , قال فأقسم عليك إلا رجعت إلي فأخبرتني ما يقولان , فذهب ورجع إلى أبي , فأخبره أنهما قالا كما قال , وقالا له : قل : إن هذا ليس في كتاب الله , ولا في سنة رسول الله , ولكن عمل به المسلمون . وذكر الدارقطني حديث مظاهر , ثم قال : والصحيح عن القاسم خلاف هذا , وذكر عن القاسم أنه قيل له : بلغك في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . وذكره الدارقطني أيضا من حديث ابن عمر مرفوعا , وقال : تفرد به عمر بن شبيب والصحيح أنه من قول ابن عمر .
باب في الطلاق قبل النكاح
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام ح و حدثنا ابن الصباح حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قالا حدثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا طلاق إلا فيما تملك ولا عتق إلا فيما تملك ولا بيع إلا فيما تملك زاد ابن الصباح ولا وفاء نذر إلا فيما تملك حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه زاد من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الخبر زاد ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره
( لا طلاق إلا فيما تملك ) : أي لا صحة له , وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية , وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق , فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع , وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه أنه يصح التعليق مطلقا . وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل , وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق , صح الطلاق ووقع , وإن عمم لم يقع شيء . وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان , كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة . والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقا . كذا في النيل ( زاد ابن الصباح ) : أي في روايته ( ولا وفاء نذر إلا فيما تملك ) : فلو قال لله علي أن أعتق هذا العبد ولم يكن ملكه وقت النذر لم يصح النذر , فلو ملكه بعد هذا لم يعتق عليه كذا في المرقاة . قال المنذري . وأخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه . وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الترمذي : حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . وقال أيضا : سألت محمد بن إسماعيل فقلت : أي شيء أصح في الطلاق قبل النكاح ؟ فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وقال الخطابي : وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره وأجراه على عمومه , إذ لا حجة مع من فرق بين حال وحال والحديث حسن انتهى كلام المنذري. ( من حلف على معصية فلا يمين له , ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له ) : وهو تخصيص بعد تعميم كالحلف على ترك الكلام مع أخيه . قال الخطابي : هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد به اليمين المطلقة من الأيمان فيكون معنى قوله لا يمين له أي لا يبر بيمينه لكن يحنث ويكفر , كما روي أنه قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " والوجه الآخر أن يكون أراد به النذر الذي مخرجه مخرج اليمين كقوله إن فعلت فلله علي أن أذبح ولدي , فإن هذه يمين باطلة لا يلزم الوفاء بها ولا يلزمه فيها كفارة ولا فدية , وكذلك فيمن نذر أن يذبح ولده على سبيل التبرر والتقرب . فالنذر لا ينعقد فيه والوفاء به لا يلزم به وليس فيها كفارة والله أعلم . ( ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ) : أي في الطاعة لا في المعصية .
باب في الطلاق على غلط
قال في فتح الودود : وقع في بعض النسخ على غيظ بدل قوله على غلط أي في حالة الغضب وهكذا في كثير من النسخ , وفي بعضها على غلط , فالمعنى في حالة يخاف عليه الغلط وهي حالة الغضب , والأقرب أنه غلط والصواب غيظ والله أعلم . ثم الطلاق في غيظ واقع عند الجمهور . وفي رواية عن الحنابلة أنه لا يقع والظاهر أنه مختار المصنف رحمه الله تعالى انتهى . قلت : وفي بعض النسخ الموجودة عندي على غضب بدل قوله على غلط وفي نسخة الخطابي على إغلاق .
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال حدثنا أبي عن ابن إسحق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح الذي كان يسكن إيليا قال خرجت مع عدي بن عدي الكندي حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة وكانت قد حفظت من عائشة قالت سمعت عائشة تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طلاق ولا عتاق في غلاق
قال أبو داود الغلاق أظنه في الغضب
( كان يسكن إيليا ) : قال في المجمع : هو بالمد والقصر مدينة بيت المقدس ( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ) : وفي بعض النسخ في غلاق .
( قال أبو داود : الغلاق أظنه في الغضب ) : فعند المصنف رحمه الله معنى الإغلاق الغضب , وفسره علماء الغريب بالإكراه وهو قول ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون , واستبعده المطرزي , وقيل الغضب , وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال : لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب . وقال أبو عبيد : الإغلاق التضييق . كذا في التلخيص . والحديث أخذ به من لم يوقع الطلاق والعتاق من المكره وهو مالك والشافعي وأحمد , وعند الحنفية يصح طلاقه وعتاقه . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه . وفي إسناده محمد بن عبيد بن صالح المكي وهو ضعيف . والمحفوظ فيه إغلاق وفسروه بالإكراه لأن المكره يغلق عليه أمره وتصرفه , وقيل كأنه يغلق عليه ويحبس ويضيق عليه حتى يطلق , وقيل الإغلاق ها هنا الغضب كما ذكره أبو داود , وقيل معناه النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث كله في دفعة واحدة لا يبقى منه شيء ولكن ليطلق للسنة كما أمر انتهى .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : قال شيخنا : والإغلاق انسداد باب العلم والقصد عليه . يدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول , لأن كلا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد , والطلاق إنما يقع من قاصد له , عالم به . والله أعلم .
باب في الطلاق على الهزل
حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة
( عن ابن ماهك ) : بفتح الهاء هو يوسف بن ماهك الفارسي المكي ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ) : الهزل أن يراد بالشيء غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما , والجد ما يراد به ما وضع له أو ما صلح له اللفظ مجازا ( النكاح والطلاق والرجعة ) : بكسر الراء وفتحها ففي القاموس بالكسر والفتح عود المطلق إلى طليقته . وفي المشارق للقاضي عياض ورجعة المطلقة فيها الوجهان والكسر أكثر , وأنكر ابن مكي الكسر ولم يصب . قال الخطابي : اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعبا أو هازلا أو لم أنوه طلاقا أو ما أشبه ذلك من الأمور . واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } وقال : لو أطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام ولم يؤمن مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال حكم الله تعالى , وذلك غير جائز , فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه ولم يقبل منه أن المدعى خلافه , وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له والله أعلم انتهى .
قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : حديث حسن غريب . هذا آخر كلامه . وقال أبو بكر المعافري : روي فيه والعتق ولم يصح شيء منه , فإن كان أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام , وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر فإنه يحسن كما قال الترمذي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد احتج به من يرى طلاق المكره لازما قال : لأنه أكثر ما فيه أنه لم يقصده , والقصد لا يعتبر في الصريح , بدليل وقوعه من الهازل واللاعب وهذا قياس فاسد فإن المكره غير قاصد للقول , ولا لموجبه , وإنما حمل عليه وأكره على التكلم به , ولم يكره على القصد . وأما الهازل فإنه تكلم باللفظ اختيارا وقصد به غير موجبه , وهذا ليس إليه , بل إلى الشارع , فهو أراد اللفظ الذي إليه , وأراد أن لا يكون موجبه , وليس إليه , فإن من باشر سبب الحكم باختياره لزمه مسببه ومقتضاه , وإن لم يرده . وأما المكره فإنه لم يرد لا هذا ولا هذا , فقياسه على الهازل غير صحيح . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:55 pm | |
| باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ماخلق الله في أرحامهن
الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك وقال
الطلاق مرتان
{ والمطلقات يتربصن } : أي ينتظرن
{ ثلاثة قروء } : جمع قرء بالفتح وهو الطهر أو الحيض قولان { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } : من الولد أو الحيض ( الآية ) : بالنصب أي أتم الآية وتمام الآية { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم } : فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا كلمة إن وصلية ( فنسخ ذلك ) : أي كون الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ثلاثا ( فقال الطلاق مرتان ) الآية : أي التطليق الشرعي مرة بعد مرة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة . وفي رواية النسائي : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } : أي فعليكم إمساكهن بعد التطليقتين بأن تراجعوهن من غير ضرار أو إرسالهن بإحسان . قال في معالم التنزيل : روي عن عروة بن الزبير قال كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عد , وكان الرجل يطلق امرأته فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها يقصد مضارتها , فنزلت { الطلاق مرتان } يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقيبه مرتان , فإذا طلق ثلاثا فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر انتهى . واعلم أن نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث إنما هو إذا كانت مفرقة في ثلاثة أطهار , وأما إذا كانت في مجلس واحد فهي واحدة لحديث ابن عباس : " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . رواه مسلم , وسيأتي في هذا الكتاب أيضا . فيجوز للرجل أن يراجع امرأته بعدما طلقها ثلاثا في مجلس واحد كما يجوز له الرجعة بعدما طلقها واحدة . فإن قلت : يجوز لأحد أن يدعي أن حديث ابن عباس الذي يدل على كون التطليقات الثلاث المرسلة في مجلس واحد واحدة منسوخ أيضا بحديث الباب فما الجواب ؟ قلت : دعوى نسخ حديث ابن عباس موقوف على ثبوت معارض مقاوم متراخ فأين هذا . وأما حديث الباب فلو صح لم يكن فيه حجة فإنه إنما فيه أن الرجل كان يطلق امرأته ويراجعها بغير عدد فنسخ ذلك وقصر على ثلاث فيها تنقطع الرجعة , فأين في ذلك الإلزام بالثلاث بفم واحد , ثم كيف يستمر المنسوخ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه لا تعلم به الأمة وهو من أهم الأمور المتعلقة بحل الفروج , ثم كيف يقول عمر رضي الله عنه إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة , وهل للأمة أناة في المنسوخ بوجه ما , ثم كيف يعارض الحديث الصحيح بحديث الباب الذي فيه علي بن الحسين بن واقد وهو ضعيف . قال المنذري : وأخرجه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : لم يذكر أبو داود في النسخ غير هذين . وفيه أحاديث أصح وأصرح منها : منها حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " كان الرجل إذا طلق امرأته , ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها , كان ذلك له , وإن طلقها ألف مرة , فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها , ثم طلقها , وقال : والله لا آويك إلي . ولا تحلين أبدا , فأنزل الله عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } , فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق , ورواه الترمذي متصلا عن عائشة , ثم قالا : والمرسل أصح . وفيه حديث عائشة في امرأة رفاعة , وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا , حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وهو في الصحيحين , وهو صريح في تحريمها عليه بعد الطلقة الثالثة .
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلانا يشبه منه كذا وكذا قالوا نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد طلقها ففعل ثم قال راجع امرأتك أم ركانة وإخوته قال إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال قد علمت راجعها وتلا
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال أبو داود وحديث نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته البتة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصح لأن ولد الرجل وأهله أعلم به إن ركانة إنما طلق امرأته البتة فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة
( وإخوته ) : بالجر عطف على ركانة أي وأبو إخوة ركانة ( أم ركانة )
: بالنصب مفعول طلق ( فقالت ما يغني ) : أي أبو ركانة ( إلا كما تغني هذه الشعرة ) : تريد أنه عنين ( فأحذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية ) : بالرفع على الفاعلية أي غيرة وغضب ( أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد ) : أي أن ركانة وإخوته متشابهون في الخلقة والصورة فهم أولاده ولا شك في رجوليته وليس كما زعمت امرأته المزنية ( ففعل ) : أي فطلقها
( أم ركانة )
: بالنصب بدل من امرأتك ( وإخوته ) : بالجر أي وأم إخوته ( طلقها ثلاثا ) : أي في مجلس واحد ( قد علمت راجعها ) : أي قد علمت أنك طلقتها ثلاثا , ولكن الطلاق الثلاث في مجلس واحد واحدة فراجعها . ولفظ أحمد طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا فحزن عليها , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها واحدة . والحديث يدل على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد تقع واحدة ويجوز له أن يراجعها وهو الحق الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وسيجيء تحقيق هذه المسألة إن شاء الله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } : الخطاب للنبي بلفظ الجمع أو على إرادة ضم أمته إليه , والتقدير يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم وأمته , وقيل هو على إضمار قل أي قل لأمتك . والثاني أليق فخص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء لأنه إمام أمته اعتبارا بتقدمه وعمم بالخطاب كما يقال لأمير القوم يا فلان افعلوا كذا . قال الحافظ في الفتح : { فطلقوهن لعدتهن } : أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كما يقال لقيته لليلة بقيت من الشهر . قال مجاهد في قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } قال ابن عباس : في قبل عدتهن . أخرجه الطبري بسند صحيح . قاله الحافظ ( وحديث نافع بن عجير ) : مبتدأ وخبره قوله أصح , وحديث نافع بن عجير يأتي في باب في ألبتة ( وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة ) : بالجر عطف على نافع أي وحديث عبد الله بن علي . وحديثه أيضا يأتي في الباب المذكور ( أصح ) : أي من حديث ابن عباس المذكور والحاصل أن حديث نافع بن عجير وحديث عبد الله بن علي الآتيين أصح من حديث ابن عباس المذكور . وبين وجه كونهما أصح منه بقوله ( لأنهم ولد الرجل إلخ ) : وحاصله أن نافع بن عجير وعبد الله بن على بن يزيد بن ركانة من أولاد ركانة وهما قد بينا في حديثهما أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة , فحديثهما أصح , لأن أولاد الرجل أعلم بما جرى به من غيرهم . والمؤلف رحمه الله يعيد كلامه هذا بعد ذكر حديثهما في باب في ألبتة وهناك يظهر لك ما فيه . قال المنذري : قال الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال , لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع ولم يسمه والمجهول لا تقوم به الحجة . وحكي أيضا أن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف طرق هذا الحديث كلها انتهى .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : والحديث الذي رجحه أبو داود هو حديث نافع بن عجير : " أن ركانة بن عبيد طلق امرأته سهمة البتة , فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : والله ما أردت إلا واحدة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة , فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فطلقها الثانية في زمن عمر رضي الله عنه , والثالثة في زمن عثمان رضي الله عنه " قال أبو داود : وهذا أصح من حديث ابن جريج يعني الحديث الذي قبل هذا . تم كلامه . وهذا هو الحديث الذي ضعفه الإمام أحمد , والناس فإنه من رواية عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة , ومن رواية الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده , وكلهم ضعفاء , والزبير أضعفهم , وضعف البخاري أيضا هذا الحديث , قال : علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه . وأما قول أبي داود إنه أصح من حديث ابن جريج , فلأن ابن جريج رواه عن بعض بني رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس , ولأبي رافع بنون ليس فيهم من يحتج به إلا عبيد الله بن رافع , ولا نعلم هل هو هذا أو غيره ؟ ولهذا - والله أعلم - رجح أبو داود حديث نافع ابن عجير عليه , ولكن قد رواه الإمام أحمد في مسنده , من حديث ابن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس . وهذا أصح من حديث نافع بن عجير , ومن حديث ابن جريج . وقد صحح الإمام أحمد هذا السند في قصة رد زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع , وقال : الصحيح حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بالنكاح الأول " , وهو بهذا الإسناد بعينه من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس . وهكذا ذكر الثوري والدارقطني أن رواية ابن إسحاق هي الصواب . وحكموا له على رواية حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه بنكاح جديد " , وحجاج بن أرطاة أعرف من نافع بن عجير ومن معه . وبالجملة فأبو داود لم يتعرض لحديث محمد بن إسحاق ولا ذكره . والله أعلم .
حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسمعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا قال فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله قال
ومن يتق الله يجعل له مخرجا
وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك وإن الله قال
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن
في قبل عدتهن قال أبو داود روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأيوب وابن جريج جميعا عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس ورواه الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس كلهم قالوا في الطلاق الثلاث أنه أجازها قال وبانت منك نحو حديث إسمعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير قال أبو داود وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة ورواه إسمعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة
( حتى ظننت أنه رادها إليه ) : أي حتى ظننت أن ابن عباس يرد المرأة إلى ذلك الرجل ( فيركب الحموقة ) : أي يفعل فعل الأحمق ( عصيت ربك )
: أي بتطليقك الثلاث دفعة ( فطلقوهن في قبل عدتهن ) : قال النووي . هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا يثبت قرآنا بالإجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا وعند محققي الأصوليين انتهى . وقال الحافظ : نقلت هذه القراءة أيضا عن أبي وعثمان وجابر وعلي بن الحسين وغيرهم انتهى . وفتوى ابن عباس هذا يدل على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا مجموعة بانت منه , لكن هذا رأيه وروايته المرفوعة الصحيحة الآتية في هذا الباب تدل على أنها لا تبين منه بل تكون الطلاق الثلاث المجموعة واحدة رجعية والمعتبر هو رواية الراوي لا رأيه كما تقرر في مقره . وأيضا سيأتي عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة . ففتوى ابن عباس هذا يناقض فتواه الأول , فإذن لم يبق الاعتبار إلا على روايته . ثم أورد أبو داود عدة متابعات لفتوى ابن عباس وقال ( قال أبو داود : روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس ) : هذا هو المتابع الأول ( ورواه شعبة إلى قوله عن ابن عباس ) : هو المتابع الثاني ( وأيوب وابن جريج إلى عن ابن عباس ) : أي روى هذا الحديث أيوب وابن جريج إلخ , وهو الثالث من المتابعات ( وابن جريج عن عبد الحميد إلى عن ابن عباس ) : أي روى هذا الحديث ابن جريج إلخ وهو الرابع من المتابعات ( ورواه الأعمش إلى عن ابن عباس ) : هو الخامس من المتابعات ( وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ) : هو السادس من المتابعات ( كلهم قالوا في الطلاق الثلاث إنه أجازها ) : أي أمضاها ولم يقل إنها واحدة ( قال وبانت منك ) : هذا بيان لقوله أجازها ( نحو حديث إسماعيل )
: بالنصب أي كلهم قالوا نحو حديث إسماعيل ( بفم واحد ) : أي بلفظ واحد ( فهي واحدة ) : فتوى ابن عباس هذا يوافق روايته الآتية وإسناده على ما قال ابن القيم على شرط البخاري ( ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا ) : أي كون الطلاق الثلاث بفم واحد واحدة ( قوله ) : أي قول عكرمة ( ولم يذكر ) : أي إسماعيل بن إبراهيم ( ابن عباس )
: بالنصب على المفعولية .
وصار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن يحيى وهذا حديث أحمد قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا فكلهم قالوا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال أبو داود روى مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد بن إياس بن البكير إلى ابن الزبير وعاصم بن عمر فسألهما عن ذلك فقالا اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة رضي الله عنها ثم ساق هذا الخبر قال أبو داود وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولا بها وغير مدخول بها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هذا مثل خبر الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه يعني ابن عباس
اعلم أن ابن عباس كما كان يفتي بأن الطلاق الثلاث واحدة كذلك كان يفتي به صاحبه عكرمة أيضا , فحدث أيوب عنه بعض أصحابه فتوى ابن عباس وحدث بعضهم فتواه نفسه ( وصار قول ابن عباس إلى قوله حتى تنكح زوجا غيره ) والحديث سكت عنه المنذري . وغرض المؤلف أن ابن عباس ترك الإفتاء بكون الثلاث واحدة وصار قائلا بأن المرأة لا تحل بعد الثلاث حتى تنكح زوجا غيره , ولكن قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب قال دخل الحكم بن عيينة على الزهري وأنا معهم فسألوه عن البكر تطلق ثلاثا فقال سئل عن ذلك ابن عباس وأبو هريرة وعبد الله بن عمر فكلهم قالوا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره , قال فخرج الحكم فأتى طاوسا وهو في المسجد فأكب عليه فسأله عن قول ابن عباس فيها , وأخبره بقول الزهري قال فرأيت طاوسا رفع يديه تعجبا من ذلك . وقال والله ما كان ابن عباس يجعلها إلا واحدة ( وروى مالك عن يحيى ) : والحديث أخرجه مالك في الموطأ ولفظه مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه أخبره عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر قال فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان ؟ فقال عبد الله بن الزبير إن هذا الأمر ما بلغ لنا فيه قول , فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فاسألهما ثم آتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة , فقال أبو هريرة الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره , وقال ابن عباس مثل ذلك أيضا . قال مالك : وعلى ذلك الأمر عندنا . قال مالك والثيب إذا ملكها الرجل ولم يدخل بها إنها تجري مجرى البكر الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره انتهى .
( قال أبو داود : وقول ابن عباس إلى قوله هذا مثل خبر الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه ) : الصرف بفتح المهملة دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه . قاله الحافظ : والأولى في تعريف الصرف أن يقال هو بيع النقود والأثمان بجنسها . واعلم أن ابن عباس كان يعتقد أولا أنه لا ربا فيما كان يدا بيد وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين ودينار بدينارين وصاع تمر بصاعي تمر وكذا الحنطة وسائر الربويات وكان معتمده حديث أسامة بن زيد إنما الربا في النسيئة ثم رجع عن ذلك وقال بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض حين بلغه حديث أبي سعيد كما ذكر مسلم في صحيحه . وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد , وكان يقول إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث , وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا . فقال ابن عباس أستغفر الله وأتوب إليه , فكان ينهى عنه أشد النهي . فإذا عرفت هذا فاعلم أن المؤلف يقول : إن ابن عباس كان يقول أولا بجعل الطلاق الثلاث واحدة ثم رجع عنه . وقال بوقوع الثلاث كما كان يقول أولا في الصرف من أنه لا ربا إلا في النسيئة ثم رجع عنه وقال بربا الفضل . قلت : رجوعه في مسألة الصرف ببلوغ حديث أبي سعيد واستغفاره عما أفتى أولا ونهيه عنه أشد النهي ظاهرة لا سترة فيه , وأما رجوعه في مسألة الطلاق ففيه خفاء , كيف ولم يثبت لا بسند صحيح ولا ضعيف أنه بلغه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ناسخة لروايته الآتية موجبة لرجوعه عنها , وكذا لم يرد في شيء من الروايات أنه استغفر عن جعل الثلاث واحدة أو نهى عنه أحدا وأمر الطلاق أشد من أمر الربا . وإفتاؤه بخلاف روايته لا يستلزم على وجود ناسخ لروايته . وسيأتي وجه وجيه لإفتائه بوقوع الثلاث في كلام الإمام ابن القيم إن شاء الله تعالى .
حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر قال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم
( قال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها إلى قوله قد تتابعوا فيها ) : أي في التطليقات الثلاث دفعة , وقوله تتابعوا بالباء الموحدة , وفي بعض النسخ تتايعوا بياء مثناة من تحت وهما بمعنى أي أسرعوا في التطليقات الثلاث بأن أوقعوها دفعة ( قال أجيزوهن عليهم ) : أي أمضوا الثلاث عليهم . وقد تمسك بهذه الرواية من ذهب إلى أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث , وإن لم تكن مدخولة فواحدة . ويجاب بأن التقييد بقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول , وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة الآتية بعد هذه الرواية , وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه , على أن هذه الرواية ضعيفة . قال المنذري : الرواة عن طاوس مجاهيل التتايع التهافت في الشيء واللجاج , ولا يكون التتايع بالياء إلا بالشر ووقع عن بعض الرواة بالباء بواحدة والأكثر على الأول انتهى كلام المنذري .
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر قال ابن عباس نعم
( أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم إلخ ) : وفي رواية لمسلم عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة , فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم . وقوله أناة بفتح الهمزة أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة قاله النووي . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الطلاق الثلاث إذا أوقعت مجموعة وقعت واحدة قال الحافظ في الفتح : وهو منقول عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير , نقل ذلك ابن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح , ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهما , ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس , كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار , ويتعجب من ابن التين حيث جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه وإنما الاختلاف في التحريم مع ثبوت الاختلاف كما ترى انتهى . وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين : وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر رضي الله عنه على هذا المذهب , فلو عدهم العاد بأسمائهم واحدا واحدا أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار عليها , ولو فرض فيهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكرا للفتوى به بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا وساكت غير منكر , وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق رضي الله عنه إلى ثلاث سنين من خلافة عمر وهم يزيدون على الألف قطعا كما ذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق وكل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر رضي الله عنهما كان على أن الثلاث واحدة فتوى أو إقرار أو سكوت ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا الإجماع قديم , ولم تجتمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن وإلى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة عبد الله بن عباس وأفتى أيضا بالثلاث أفتى بهذا وهذا , وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف حكاه عنهما ابن وضاح , وعن علي وابن مسعود روايتان كما عن ابن عباس . وأما التابعون فأفتى به عكرمة وأفتى به طاوس . وأما تابعو التابعين فأفتى به محمد بن إسحاق حكاه الإمام أحمد وغيره عنه , وأفتى به خلاس بن عمرو والحارث العكلي . وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه , حكاه عنهم ابن المغلس وابن حزم وغيرهما وأفتى به بعض أصحاب مالك , حكاه التلمساني في شرح التفريع لابن حلاب قولا لبعض المالكية , وأفتى به بعض الحنفية حكاه أبو بكر الرازي عن محمد بن مقاتل , وأفتى به بعض أصحاب أحمد , حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه قال وكان الجد يفتي به أحيانا انتهى كلامه . وذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء إلى أن الثلاث تقع ثلاثا , وحديث ابن عباس الصحيح الصريح في عدم وقوع الثلاث حجة عليهم . وأجيب من قبلهم عن حديث ابن عباس بأجوبة لا يخلو واحد منها عن التكلف والتعسف ومحل بسطها والكشف عما فيها هو غاية المقصود . وللقائلين بأن الثلاث واحدة حديث آخر صحيح وهو ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال : طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا , قال فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها ؟ قال طلقتها ثلاثا , قال فقال في مجلس واحد ؟ قال نعم , قال فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت . قال فراجعها . فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر . قال ابن القيم في إعلام الموقعين : وقد صحح الإمام هذا الإسناد وحسنه . قال الحافظ في فتح الباري : الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق . وهذا الحديث نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات . وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء أحدها أن محمد بن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وأجيب بأنهم احتجوا في عدة من الأحكام بمثل هذا الإسناد كحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على أبي العاص بن الربيع زينب ابنته بالنكاح الأول , وليس كل مختلف فيه مردود . الثاني معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما تقدم من رواية مجاهد وغيره فلا يظن بابن عباس أنه كان عنده هذا الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يفتي بخلافه إلا بمرجح ظهر له , وراوي الخبر أخبر من غيره بما روى . وأجيب بأن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان وغير ذلك . وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع لاحتمال التمسك بتخصيص أو تقييد أو تأويل , وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر . الثالث أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل ألبتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس الرابع أنه مذهب شاذ فلا يعمل به . وأجيب بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير مثله , نقل ذلك ابن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهما , ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس عطاء وطاوس وعمرو بن دينار انتهى كلام الحافظ . قلت : قد أجاب الحافظ عن الجواب الأول والثاني والرابع ولم يجب عن الثالث بل قواه وجوابه ظاهر من كلام ابن القيم في الإغاثة حيث قال : إن أبا داود إنما رجح حديث ألبتة على حديث ابن جريج لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول ولم يرو أبو داود الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد , فلذا رجح أبو داود حديث ألبتة ولم يتعرض لهذا الحديث ولا رواه في سننه , ولا ريب أنه أصح من الحديثين . وحديث ابن جريج شاهد له وعاضد , فإذا انضم حديث أبي الصهباء إلى حديث ابن إسحاق وإلى حديث ابن جريج مع اختلاف مخارجها وتعدد طرقها أفاد العلم بأنها أقوى من ألبتة بلا شك . ولا يمكن من شم روائح الحديث ولو على بعد أن يرتاب في ذلك فكيف يقدم الحديث الضعيف الذي ضعفه الأئمة ورواته مجاهيل على هذه الأحاديث انتهى كلام ابن القيم . فإن قلت : قد ثبت من حديث ابن عباس أن الصحابة كلهم قد أجمعوا على أن الثلاث واحدة فكيف خالفهم عمر رضي الله عنه حيث أمضاها عليهم . قلت : لم يخالف عمر رضي الله عنه إجماع من تقدمه بل رأى إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم لما علموا أنه حرام وتتابعوا فيه , ولا ريب أن هذا سائغ للأمة أن يلزموا الناس ما ضيقوا به على أنفسهم ولم يقبلوا فيه رخصة الله عز وجل وتسهيله ورخصته , بل اختاروا الشدة والعسر , فكيف بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكمال نظره للأمة وتأديبه لهم , ولكن العقوبة تختلف باختلاف الأزمنة والأشخاص والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه , وأمير المؤمنين رضي الله عنه لم يقل لهم إن هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو رأي رآه مصلحة للأمة يكفهم بها التسارع إلى إيقاع الثلاث , ولهذا قال فلو أنا أمضيناه , وفي لفظ آخر فأجيزوهن عليهم أفلا ترى أن هذا رأي منه رآه للمصلحة لا إخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما علم رضي الله عنه أن تلك الأناة والرخصة نعمة من الله على المطلق ورحمة به وإحسان إليه وأنه قابلها بضدها ولم يقبل رخصة الله وما جعله له من الأناة عاقبه بأن حال بينه وبينها وألزمه ما التزمه من الشدة والاستعجال , وهذا موافق لقواعد الشريعة بل هو موافق لحكمة الله في خلقه قدرا وشرعا , فإن الناس إذا تعدوا حدوده ولم يقفوا عندها ضيق عليهم ما جعله لمن اتقاه من المخرج . وقد أشار إلى هذا المعنى بعينه . من قال من الصحابة رضي الله عنهم من المطلق ثلاثا إنك لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا كما قاله ابن مسعود وابن عباس , فهذا نظر أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لا أنه رضي الله عنه غير أحكام الله وجعل حلالها حراما . فهذا غاية التوفيق بين النصوص وفعل أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه كذا في زاد المعاد . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : قال البيهقي : هذا الحديث أحد ما اختلف فيه البخاري ومسلم , فأخرجه مسلم وتركه البخاري , وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس - وساق الروايات عنه - ثم قال : فهذه رواية سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعكرمة وعمر بن دينار ومالك بن الحارث ومحمد بن إياس بن البكير , ورويناه عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري , كلهم عن ابن عباس , أنه أجاز الثلاث وأمضاهن : قال ابن المنذر : فغير جائز أن نظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا , ثم يفتي بخلافه . وقال الشافعي : فإن كان , يعني قول ابن عباس " إن الثلاث كانت تحتسب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعني أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالذي يشبه - والله أعلم - أن يكون ابن عباس قد علم أن كان شيء فنسخ . قال البيهقي : ورواية عكرمة عن ابن عباس فيها تأكيد لصحة هذا التأويل يريد البيهقي الحديث الذي ذكره أبو داود في باب نسخ المراجعة وقد تقدم . وقال أبو العباس بن سريج : يمكن أن يكون ذلك إنما جاء في نوع خاص من الطلاق الثلاث , وهو أن يفرق بين اللفظ . كأن يقول : أنت طالق , أنت طالق , أنت طالق , وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , وعهد أبي بكر والناس على صدقهم وسلامتهم , لم يكن ظهر فيهم الخب والخداع , فكانوا يصدقون أنهم أرادوا به التوكيد , ولا يريدون الثلاث . ولما رأى عمر رضي الله عنه في زمانه أمورا ظهرت وأحوالا تغيرت منع من حمل اللفظ على التكرار , فألزمهم الثلاث . وقال بعضهم : إن ذلك إنما جاء في غير المدخول بها , وذهب إلى هذا جماعة من أصحاب ابن عباس , ورووا أن الثلاث لا تقع على غير المدخول بها , لأنها بالواحدة تبين , فإذا قال أنت طالق بانت , وقوله " ثلاثا " وقع بعد البينونة ولا يعتد به وهذا مذهب إسحاق بن راهويه . وقال بعضهم : قد ثبت عن فاطمة بنت قيس " أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا ؟ فأبانها النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى " وفي حديث ابن عمر : أنه قال : يا رسول الله , أرأيت لو طلقتها ثلاثا ؟ قال : إذن عصيت ربك وبانت منك امرأتك " رواه الدارقطني . وعن علي أنه قال " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق امرأته البتة فغضب وقال : يتخذون آيات الله هزوا ؟ أو دين الله هزوا ولعبا ؟ من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " رواه الدارقطني أيضا . قالوا : وهذه الأحاديث أكثر وأشهر من حديث أبي الصهباء , وقد عمل بها الأئمة , فالأخذ بها أولى . وقال بعضهم : المراد أنه كان المعتاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تطليقة واحدة , وقد اعتاد الناس الآن التطليقات الثلاث , والمعنى كان الطلاق الموقع الآن ثلاثا موقعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة . وقال بعضهم : ليس في هذا الحديث أن ذلك كان بلغ النبي صلى الله عليه وسلم , فيقر عليه , والحجة إنما هي في إقراره بعد بلوغه ولما بلغه طلاق ركانة امرأته البتة استحلفه : ما أردت بها إلا واحدة ؟ ولو كان الثلاث واحدة لم يكن لاستحلافه معنى وأنها واحدة , سواء أراد بها الثلاث أو الواحدة . وقال بعضهم : الإجماع منعقد على خلاف هذا الحديث , والإجماع معصوم من الغلط والخطأ , دون خبر الواحد . وقال بعضهم : إنما هذا في طلاق السنة . فإنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يراد بها الواحدة , كما أراد بها ركانة , ثم تتابع الناس فيها فأرادوا بها الثلاث فألزمهم عمر إياها . فهذه عشرة مسالك للناس في رد هذا الحديث . وقال أبو بكر بن العربي المعافري في كتابه الناسخ والمنسوخ . ( غائلة ) قال تعالى { الطلاق مرتان } : زل قوم في آخر الزمان , فقالوا : إن الطلاق الثلاث في كلمة لا يلزم وجعلوه واحدة , ونسبوه إلى السلف الأول , فحكوه عن علي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس , وعزوه إلى الحجاج بن أرطاة الضعيف المنزلة , المغموز المرتبة , ورووا في ذلك حديثا ليس له أصل , وغوى قوم من أهل المسائل . فتتبعوا الأهواء المبتدعة فيه , وقالوا إن قوله : أنت طالق ثلاثا كذب , لأنه لم يطلق ثلاثا , كما لو قال , طلقت ثلاثا , ولم يطلق إلا واحدة , وكما لو قال : أحلف ثلاثا , كانت يمينا واحدة . ( منبهة ) لقد طوفت في الآفاق , ولقيت من علماء الإسلام وأرباب المذاهب كل صادق فما سمعت لهذه المقالة بخبر , ولا أحسست لها بأثر , إلا الشيعة الذين يرون نكاح المتعة جائزا ولا يرون الطلاق واقعا . ولذلك قال فيهم ابن سكرة الهاشمي : يا من يرى المتعة في دينه حلا , وإن كانت بلا مهر ولا يرى تسعين تطليقة تبين منه ربة الخدر من ها هنا طابت مواليدكم فاغتنموها يا بني القطر وقد اتفق علماء الإسلام , وأرباب الحل والعقد في الأحكام , على أن الطلاق الثلاث في كلمة , وإن كان حراما في قول بعضهم , وبدعة في قول الآخرين , لازم , وأين هؤلاء البؤساء من عالم الدين , وعلم الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري , وقد قال في صحيحه : باب جواز الثلاث لقوله تعالى { الطلاق مرتان } وذكر حديث اللعان " فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولم يغير عليه النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يقر على الباطل , ولأنه جمع ما فسح له في تفريقه فألزمته الشريعة حكمه وما نسبوه إلى الصحابة كذب بحت لا أصل له في كتاب , ولا رواية له عن أحد . وقد أدخل مالك في موطئه عن علي " أن الحرام ثلاث لازمة في كلمة " فهذا في معناها . فكيف إذا صرح بها ؟ وأما حديث الحجاج بن أرطاة فغير مقبول في الملة , ولا عند أحد من الأئمة . فإن قيل : ففي صحيح مسلم عن ابن عباس - وذكر حديث أبي الصهباء هذا .
قلنا : هذا لا متعلق فيه من خمسة أوجه : الأول : أنه حديث مختلف في صحته , فكيف يقدم على إجماع الأمة ؟ ولم يعرف لها في هذه المسألة خلاف , إلا عن قوم انحطوا عن رتبة التابعين , وقد سبق العصران الكريمان والاتفاق على لزوم الثلاث , فإن رووا ذلك عن أحد منهم فلا تقبلوا منهم إلا ما يقبلون منكم , نقل العدل عن العدل , ولا تجد هذه المسألة منسوبة إلى أحد من السلف أبدا . الثاني : إن هذا الحديث لم يرو إلا عن ابن عباس , ولم يرو عنه إلا من طريق طاوس . فكيف يقبل ما لم يروه من الصحابة إلا واحد , وما لم يروه عن ذلك الصحابي إلا واحد ؟ وكيف خفي على جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا ابن عباس وكيف خفي على أصحاب ابن عباس إلا طاوس ؟
الثالث : يحتمل أن يراد به قبل الدخول . وكذلك تأوله النسائي , فقال : باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة . وذكر هذا الحديث بنصه . الرابع : أنه يعارضه حديث محمود بن لبيد , قال : " أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا , فقام غضبان , ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ؟ " رواه النسائي . فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بل أمضاه , وكما في حديث عويمر العجلاني في اللعان حيث أمضى طلاقه الثلاث ولم يرده . الخامس : وهو قوي في النظر والتأويل , أنه قال : كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة , يحتمل أن يريد به كان حكم الثلاث إذا وقعت أن تجعل واحدة وأن يريد به : كانت عبارة الثلاث على عهده أن تذكر واحدة فلما تتابع الناس في الطلاق وذكروا الثلاث بدل الواحدة أمضى ذلك عمر , كما أمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عويمر حين طلق ثلاثا . فلا يبقى في المسألة إشكال .
فهذا أقصى ما يرد به هذا الحديث .
باب فيما عني به الطلاق والنيات
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
( إنما الأعمال بالنية ) : وفي بعض النسخ بالنيات . قال الخطابي : معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما تكون بالنية , وأن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها , ولم يرد به أعيان الأعمال لأن أعيانها حاصلة بغير نية ( وإنما لامرئ ما نوى ) : أشار به إلى أن تعيين المنوي شرط , فلو كان على إنسان صلوات لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل شرط أن ينوي كونها ظهرا أو غيره فلولا هذا القول لاقتضى الكلام الأول أن تصح الفائتة بلا تعيين . كذا قال ابن الملك والعلقمي ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ) : أي انتقاله من دار الكفر إلى دار الإسلام قصدا وعزما ( فهجرته إلى الله ورسوله ) : فإن قلت : الشرط والجزاء قد اتحدا , قلنا لا اتحاد لأن التكرار قد يفيد الكمال كما قال أبو النجم وشعري شعري أي شعر كامل , والمعنى فهجرته كاملة ( ومن كانت هجرته لدنيا ) : اللام للتعليل أو بمعنى إلى ودنيا بغير تنوين لأنها تأنيث أدنى وجمعها دنى ككبرى وكبر ( يصيبها ) : أي يحصلها
( أو امرأة يتزوجها ) : إنما ذكرها مع كونها مندرجة تحت دنيا تعريضا لمن هاجر إلى المدينة في نكاح مهاجرة , فقيل له مهاجر أم قيس , أو تنبيها على زيادة التحذير من ذلك , وهذا من باب ذكر الخاص بعد العام لمزيته ( فهجرته إلى ما هاجر إليه ) : يعني لا يثاب على هجرته . قال الخطابي في المعالم : في الحديث دليل على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق أو ببعض الكنائي التي يطلق بها ونوى عددا من أعداد الطلاق كان ما نواه من العدد واقعا واحدة أو ثنتين أو ثلاثا , وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي وصرف الألفاظ على مصارف النيات , وقال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ونوى ثلاثا أنها تطلق ثلاثا , وكذلك قال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد , وقد روي ذلك عن عروة بن الزبير . وقال أصحاب الرأي هي واحدة وهو أحق بها , وكذلك قال سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد . انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وسليمان بن داود قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك فساق قصته في تبوك قال حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك قال فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر
( أن عبد الله بن كعب ) : خبر إن قوله قال سمعت ( وكان ) : أي عبد الله ( قائد كعب )
: من القود نقيض السوق فهو من أمام وذاك من خلف ( من بنيه )
: أي من بنيهم . وكان أبناؤه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله ( قال سمعت كعب بن مالك ) : وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ( فساق قصته ) : وقصته مذكورة في الصحيحين ( حتى إذا مضت أربعون ) : أي يوما ( من الخمسين ) : أي التي منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الكلام فيها مع هؤلاء ( إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : قاله الواقدي : هو خزيمة بن ثابت ( يأتي ) : وفي بعض النسخ يأتيني ( يأمرك أن تعتزل امرأتك ) : الاعتزال بالفارسية بيكسو شدن ( فقلت أطلقها أم ماذا أفعل ) : أي ما المراد بالاعتزال الطلاق أو غيره ( قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها ) : أي ليس المراد بالاعتزال الطلاق بل عدم القربان ( فقلت لامرأتي الحقي ) : بفتح الحاء . قال الخطابي : في الحديث دلالة على أنه إذا قال لها الحقي بأهلك ولم يرده طلاقا أنه لا يكون طلاقا , وكذلك سائر الكنايات كلها على قياسه . وكان أبو عبيد يقول في قوله الحقي بأهلك إنها تطليقة يكون فيها العبد مالكا للرجعة إلا أن يكون أراد ثلاثا انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا .
باب في الخيار
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا
( عن أبي الضحى ) : هو مسلم بن صبيح بالتصغير مشهور بكنيته أكثر من اسمه ( خيرنا ) : أي معشر أمهات المؤمنين وذلك بعد نزول قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } ( فاخترناه ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياة الدنيا وزينتها ( فلم يعد ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ذلك ) : أي التخيير
( شيئا ) : أي من الطلاق وفي رواية لمسلم فلم يعده طلاقا , وفي أخرى له فلم يكن طلاقا . وفي الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة , وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به بائنة سواء اختارت زوجها أم لا . وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك . قال القاضي : لا يصح هذا عن مالك ثم هو مذهب ضعيف مردود بحديث الباب الصحيح الصريح ولعل القائلين به لم يبلغهم هذا الحديث . كذا قال النووي . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:56 pm | |
| باب في أمرك بيدك
حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال قلت لأيوب هل تعلم أحدا قال بقول الحسن في أمرك بيدك قال لا إلا شيئا حدثناه قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن في أمرك بيدك قال ثلاث
( هل تعلم أحدا قال بقول الحسن في أمرك بيدك ) : أي أنها ثلاث ( قال ) : أي أيوب ( لا ) : أي لا أعلم أحدا قال : بقول الحسن إلخ ( إلا شيء حدثناه ) : الضمير يرجع إلى شيء ( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ) : أي قال إنها ثلاث . وفي رواية الترمذي قلت لأيوب : هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن ؟ قال لا إلا الحسن ثم قال اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بني سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث . وكذلك في رواية النسائي . فعلم أن في رواية المؤلف حذفا واختصارا ( فسألته فقال ما حدثت بهذا قط ) : وفي رواية الترمذي والنسائي فسألته فلم يعرفه ( فقال بلى )
: أي قد حدث ( ولكنه نسي ) : أي عن التحديث . واعلم أن إنكار الشيخ أنه حدث بذلك إن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية المؤلف فلا شك أنه علة قادحة , وإن لم يكن على طريقة الجزم , بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في رواية الترمذي والنسائي فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث , وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث . وقد استدل بهذا الحديث على من قال لامرأته : أمرك بيدك , كان ذلك ثلاثا . قال الترمذي : قد اختلف أهل العلم في أمرك بيدك فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود هي واحدة , وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم . وقال عثمان بن عفان وزيد بن ثابت القضاء ما قضت . وقال ابن عمر إذا جعل أمرها بيدها وطلقت نفسها ثلاثا وأنكر الزوج وقال : لم أجعل أمرها بيدها إلا في واحدة استحلف الزوج وكان القول قوله مع يمينه . وذهب سفيان وأهل الكوفة إلى قول عمر وعبد الله . وأما مالك بن أنس فقال القضاء ما قضت وهو قول أحمد . وأما إسحاق فذهب إلى قول ابن عمر انتهى كلام الترمذي . وقوله القضاء ما قضت معناه : الحكم ما نوت من رجعية أو بائنة واحدة أو ثلاثا . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي . وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب . وذكر عن البخاري أنه قال : وإنما هو عن أبي هريرة موقوف ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا . وقال النسائي : هذا حديث منكر . ( عن الحسن في أمرك بيدك قال ثلاث ) : يعني إذا قال : الزوج لزوجته أمرك بيدك فلها أن تختار ثلاثا فتقع الثلاث . وقد تقدم الاختلاف فيه . والحديث سكت عنه المنذري .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : هكذا وقع في السنن لأبي داود , ولم يفسر قول الحسن في حديثه . ورواه الترمذي مفسرا عن حماد بن زيد قال : قلت لأيوب : هل علمت أحدا قال : أمرك بيدك ثلاثا إلا الحسن ؟ قال : لا , ثم قال : اللهم غفرا , إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بني سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث " ثم ذكر الترمذي عن البخاري أنما هو موقوف . قال أبو محمد بن حزم : وكثير مولى بني سلمة مجهول وعن الحسن في " أمرك بيدك " قال : ثلاث .
باب في البتة
حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين قالوا حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح حدثنا محمد بن يونس النسائي أن عبد الله بن الزبير حدثهم عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن عبد يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث
( أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي ) : هو الإمام المعروف صاحب المذهب ( طلق امرأته سهيمة ) : بالتصغير ( البتة ) : بهمزة وصل أي قال أنت طالق البتة ( فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ) : المختار بناؤه للفاعل , قاله القاري ( وقال والله ما أردت إلا واحدة ) : عطف على فأخبر ( فردها إليه ) : قال الخطابي : فيه بيان أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد بها أكثر من واحدة وأنها رجعية غير بائن انتهى . وقال القاري : طلاق البتة عند الشافعي واحدة رجعية وإن نوى بها اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى . وعند أبي حنيفة واحدة بائنة , وإن نوى ثلاثا فثلاث . وعند مالك ثلاث . واستدل بالحديث على أن الطلاق الثلاث مجموعة تقع ثلاثا , ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم أحلفه أنه أراد بالبتة واحدة , فدل على أنه لو أراد بها أكثر لوقع ما أراده ولو لم يفترق الحال لم يحلفه . وأجيب بأن الحديث ضعيف ومع ضعفه مضطرب ومع اضطرابه معارض بحديث ابن عباس أن الطلاق كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة , فالاستدلال بهذا الحديث ليس بصحيح . وإن شئت الوقوف على ضعفه واضطرابه فراجع التعليق المغني شرح الدارقطني فإنه قد بين فيه أخونا المعظم أبو الطيب ضعف الحديث واضطرابه بالبسط والتفصيل .
حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أردت قال واحدة قال آلله قال آلله قال هو على ما أردت قال أبو داود وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثا لأنهم أهل بيته وهم أعلم به وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس
( عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق الحديث ) : قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه , وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب . هذا آخر كلامه . وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي فقد ضعفه غير واحد . وذكر الترمذي أيضا عن البخاري أنه مضطرب فيه تارة قيل فيه ثلاثا , وتارة قيل فيه واحدة وأصحه أنه طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى . وقال أبو داود : حديث نافع بن عجير حديث صحيح , وفيما قاله نظر , فقد تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل أن طرقه ضعيفة , وضعفه أيضا البخاري , وقد وقع الاضطراب في إسناده وفي متنه انتهى كلام المنذري .
( قال أبو داود : وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته إلخ ) : قال ابن القيم في حاشية السنن : إن أبا داود لم يحكم بصحته وإنما قال بعد روايته هذا أصح من حديث ابن جريج أنه طلق امرأته ثلاثا , وهذا لا يدل على أن الحديث عنده صحيح , فإن حديث ابن جريج ضعيف , وهذا ضعيف أيضا فهو أصح الضعيفين عنده , وكثيرا ما يطلق أهل الحديث هذه العبارة على أرجح الحديثين الضعيفين , وهو كثير من كلام المتقدمين ولو لم يكن اصطلاحا لهم لم تدل اللغة على إطلاق الصحة عليه , فإنك تقول لأحد المريضين هذا أصح من هذا ولا يدل على أنه صحيح مطلقا انتهى كلامه . وقال ابن القيم في الإغاثة : إن أبا داود إنما رجح حديث البتة على حديث ابن جريج لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول ولم يرو أبو داود الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد , فلذا رجح أبو داود حديث البتة ولم يتعرض لهذا الحديث ولا رواه في سننه ولا ريب أنه أصح من الحديثين , وحديث ابن جريج شاهد له , انتهى بقدر الحاجة . وقد نقلناه فيما قبل بأزيد من هذا .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وفي تاريخ البخاري علي بن يزيد بن ركانة القرشي عن أبيه , لم يصح حديثه هذا لفظه . وقال عبد الحق الإشبيلي في سنده : كلهم ضعيف , والزبير أضعفهم وذكر الترمذي في كتاب العلل عن البخاري أنه مضطرب فيه تارة قيل فيه " ثلاثا " وتارة قيل فيه " واحدة " .
ثم ذكر الشيخ ابن القيم كلام الحافظ المنذري واعتراضه على أبي داود في تصحيحه - ثم قال الشيخ : وفيما قاله المنذري نظر , فإن أبا داود لم يحكم بصحته , وإنما قال بعد روايته : هذا أصح من حديث ابن جريج " أنه طلق امرأته ثلاثا , لأنهم أهل بيته وهم أعلم بقضيتهم وحديثهم وهذا لا يدل على أن الحديث عنده صحيح فإن حديث ابن جريج ضعيف وهذا ضعيف أيضا , فهو أصح الضعيفين عنده , وكثيرا ما يطلق أهل الحديث هذه العبارة على أرجح الحديثين الضعيفين . وهو كثير في كلام المتقدمين . ولو لم يكن اصطلاحا لهم لم تدل اللغة على إطلاق الصحة عليه , فإنك تقول لأحد المريضين : هذا أصح من هذا , ولا يدل على أنه صحيح مطلقا . والله أعلم .
باب في الوسوسة بالطلاق
قال في القاموس : الوسوسة حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير كالوسواس بالكسر والاسم بالفتح وقد وسوس له وإليه .
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها
( إن الله تجاوز لأمتي ) : وفي رواية البخاري عن أمتي أي عفا عنهم ( عما لم تتكلم به ) : إن كان قوليا ( أو تعمل به ) : إن كان فعليا ( وبما حدثت به أنفسها ) : بالنصب على المفعولية , يقال حدثت نفسي بكذا أو بالرفع على الفاعلية يقال حدثتني نفسي بكذا . قال الخطابي : وفيه أنه إذا طلق امرأته بقلبه ولم يتكلم به بلسانه فإن الطلاق غير واقع , وبه قال عطاء بن رباح وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي , وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق . وقال الزهري : إذا عزم على ذلك وقع الطلاق لفظ به أو لم يلفظ , وبه قال مالك , والحديث حجة عليه انتهى . واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأته لأنه عزم بقلبه وعمل بكتابته وهو قول الجمهور , وشرط مالك فيه الإشهاد على ذلك . قاله الحافظ . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .
باب في الرجل يقول لامرأته يا أختي
حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد ح و حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد وخالد الطحان المعنى كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلا قال لامرأته يا أخية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أختك هي فكره ذلك ونهى عنه
( عن أبي تميمة ) : هو طريف بن مجالد ( الهجيمي )
: بضم الهاء وفتح الجيم ( يا أخية ) : تصغير أخت
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي على الإنكار ( فكره ذلك )
: أي قوله لامرأته يا أخية ( ونهى عنه )
: قال الخطابي في المعالم : إنما كره ذلك من أجل أنه مظنة للتحريم , وذلك أن من قال لامرأته أنت كأختي وأراد به الظهار كان مظاهرا كما يقول أنت كأمي , وكذلك هذا في كل امرأة من ذوات المحارم . وعامة أهل العلم وأكثرهم متفقون على هذا إلا أن ينوي بهذا الكلام الكرامة فلا يلزمه الظهار وإنما اختلفوا فيه إذا لم يكن له نية فقال كثير منهم لا يلزمه شيء . وقال أبو يوسف إن لم يكن له نية فهو تحريم . وقال محمد بن الحسن هو ظهار إذا لم يكن له نية , فكره له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول لئلا يلحقه بذلك ضرر في أهل أو يلزمه كفارة في مال انتهى .
قال المنذري : هذا مرسل .
حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته يا أخية فنهاه قال أبو داود ورواه عبد العزيز بن المختار عن خالد عن أبي عثمان عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه شعبة عن خالد عن رجل عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
( سمع رجلا يقول لامرأته يا أخية فنهاه ) : قال ابن بطال : ومن ثم قال جماعة من العلماء يصير بذلك مظاهرا إذا قصد ذلك , فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل , كذا في الفتح ( قال أبو داود ورواه ) : أي حديث أبي تميمة ( عبد العزيز بن المختار عن خالد ) : هو الحذاء
( عن أبي عثمان عن أبي تميمة ) : فزاد عبد العزيز بين خالد وأبي تميمة أبا عثمان ورواه مرسلا ( ورواه شعبة عن خالد ) هو الحذاء ( عن رجل عن أبي تميمة ) : فزاد شعبة بينهما رجلا ورواه مرسلا , وأما خالد الطحان في الطريقة الأولى فلم يذكر بينهما واسطة , وكذا عبد السلام في الطريقة الثانية إلا أن الطحان رواه مرسلا وعبد السلام رواه متصلا , فوقع الاختلاف الموجب لاضطراب الحديث .
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط إلا ثلاثا ثنتان في ذات الله تعالى قوله
إني سقيم
وقوله
بل فعله كبيرهم هذا
وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلا فأتي الجبار فقيل له إنه نزل هاهنا رجل معه امرأة هي أحسن الناس قال فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي في كتاب الله فلا تكذبيني عنده وساق الحديث قال أبو داود روى هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
( ثنتان في ذات الله ) : أي في طلب رضاه . اعلم أن الثالثة كانت لدفع الفساد عن سارة وفيها رضا الله أيضا لكن لما كان له نفع طبيعي فيها خصص اثنتين بذات الله دونها ( قوله إني سقيم ) : بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي أحد تلك الكذبتين قوله إني سقيم بيانه ما روي أن إبراهيم قال له أبوه لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا فخرج معهم ولما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم تأويله إن قلبي سقيم بكفركم أو مراده الاستقبال ( وقوله بل فعله كبيرهم هذا ) : بيانه ما روي أنه عليه السلام بعدما ألقى نفسه وذهبوا رجع وكسر أصنامهم وعلق الفأس على كبيرهم , فلما رجعوا رأوا أحوالهم فقالوا أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ قال بل فعله كبيرهم . تأويله أنه أسند الفعل إلى سببه إذ كبيرهم كان حاملا له على ذلك . وقيل أراد بكبيرهم نفسه أي متكبرهم وعلى هذا يكون الإسناد حقيقيا ( في أرض جبار ) : اسمه عمرو بن امرئ القيس وكان على مصر , وقيل اسمه صادق وكان على الأردن , وقيل سنان بن علوان ( فأتي ) : على البناء للمفعول ( هي أحسن الناس ) : في مسند أبي يعلى من حديث أنس أعطي يوسف وأمه شطر الحسن يعني سارة ( وإنه ) : أي الشأن ( ليس اليوم مسلم غيري وغيرك ) : يشكل عليه كون لوط عليه السلام كان معه كما قال تعالى { فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي } ويمكن أن يجاب بأن مراده ليس مسلم بتلك الأرض التي وقع فيها ما وقع ولم يكن معه لوط عليه السلام إذ ذاك . كذا في الفتح . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وفيه دليل على أن من قال لامرأته : إنها أختي , أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير لا يكون مظاهرا . وعلى هذا فإذا قال لعبده : هو حر يعني أنه ليس بفاجر لم يعتق وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي أن يفتى بخلافه , فإن السيد إذا قيل له : عبدك فاجر زان فقال : ما هو إلا حر , قطع سامعه أنه إنما أراد الصفة , لا العين , وكذلك إذا قيل له : جاريتك تبغي , فقال : إنما هي حرة . وسمي قول إبراهيم هذا كذبا لأنها تورية . وقد أشكل على الناس تسميتها كذبة , لكون المتكلم إنما أراد باللفظ المعنى الذي قصده , فكيف يكون كذبا ؟ والتحقيق في ذلك : أنها كذب بالنسبة إلى إفهام المخاطب , لا بالنسبة إلى غاية المتكلم , فإن الكلام له نسبتان , نسبة إلى المتكلم ونسبة إلى المخاطب , فلما أراد الموري أن يفهم المخاطب خلاف ما قصده بلفظه , أطلق الكذب عليه بهذا الاعتبار , وإن كان المتكلم صادقا باعتبار قصده ومراده .
باب في الظهار
بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي . قال الحافظ : واختلف فيما إذا لم يعين الأم كان قال كظهر أختي مثلا , فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن , وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس , وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور انتهى .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحق عن محمد بن عمرو بن عطاء قال ابن العلاء ابن علقمة بن عياش عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال ابن العلاء البياضي قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أنت بذاك يا سلمة قلت أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم في ما أراك الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم زاد ابن العلاء قال ابن إدريس بياضة بطن من بني زريق
( قال ابن العلاء بن علقمة بن عياش ) : أي قال محمد بن العلاء في روايته عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش بزيادة ابن علقمة بن عياش ( قال ابن العلاء البياضي ) : أي قال في روايته عن سلمة بن صخر البياضي ( قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ) : كناية عن كثرة شهوته ووفور قوته ( يتايع بي )
: أي يلازمني ملازمة الشر , وفي نسخة يتتايع , والتتايع الوقوع في الشر من غير فكرة وروية والمتابعة عليه ( حتى ينسلخ شهر رمضان ) : فيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه , وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة , واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث , فقال مالك وابن أبي ليلى : إذ قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها .
وقال أكثر أهل العلم : لا شيء عليه إذا لم يقربها . وجعل الشافعي في الظهار المؤقت قولين أحدهما أنه ليس بظهار قاله الخطابي في المعالم ( فلم ألبث )
: أي لم أتأخر . واللبث في الفارسية درنك كردن ( أن نزوت )
: أي وقعت ( أنت بذاك يا سلمة ) : أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له . كذا في المعالم ( قال حرر رقبة ) : قال الخطابي : فيه دليل على أنه إذا أعتق رقبة ما كانت من صغير أو كبير أعور كان أو أعرج فإنه يجزيه إلا ما يمنع دليل الإجماع منه وهو الزمن الذي لا حراك به انتهى ( ما أملك رقبة غيرها ) : أي غير رقبتي هذه ( وضربت صفحة رقبتي ) : زاد أحمد . بيدي . قال في القاموس : الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف عرضه ( وسقا من تمر ) : الوسق ستون صاعا ( بين ستين مسكينا ) : ظاهره أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ولا يجزئ إطعام دونهم , وإليه ذهب الشافعي ومالك . وقال أبو حنيفة : إنه يجزئ إطعام واحد ستين يوما ( لقد بتنا وحشين ) : قال في النهاية : يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له وقد أوحش إذا جاع ( بني زريق )
: بتقديم الزاي على الراء ( فليدفعها )
: أي التمر ( فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ) : أخذ بظاهره الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر . وقال الشافعي : إن الواجب لكل مسكين مد وتمسك بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا . وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم , وإليه ذهب الشافعي وأحمد في روايته عنه , وذهب قوم إلى السقوط , وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات كذا في النيل ( وكل أنت وعيالك بقيتها ) : أي بقية الصدقة التي بقيت بعد إطعام ستين مسكينا ( وبياضة بطن من بني زريق ) : وهو بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن زيد مناة من ولد جشم بن الخزرج كذا في تاج العروس . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال محمد يعني البخاري : سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر . وقال البخاري أيضا : هو مرسل سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر هذا آخر كلامه . وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : قد ورد في هذه الكفارة " أنه أمره بإطعام وسق , والوسق ستون صاعا " وهو أكثر ما قيل فيه , وذهب إليه سفيان الثوري وأصحاب الرأي , مع قولهم إن الصاع ثمانية أرطال بالعراقي , وورد فيها : أنه أمر امرأة أوس بن الصامت أن تكفر عنه بالعرق الذي دفعه إليها , والعرق الذي أعانته به . واختلف في مقدار ذلك العرق : فقيل : ستون صاعا , وهو وهم , وقيل : ثلاثون , هو الذي رجحه أبو داود , على حديث يحيى بن آدم , وقيل : خمسة عشر , فيكون العرقان ثلاثين صاعا , لكل مسكين نصف صاع , وإلى هذا ذهب الإمام أحمد ومالك . وفي الرواية الأخرى : أن التمر الذي أمره أن يتصدق به كان قريبا من خمسة عشر صاعا , وإلى هذا ذهب الشافعي وعطاء والأوزاعي وروي عن أبي هريرة فيكون لكل مسكين مد , وهو مقدار لا شيء بالنسبة إلى ما يوجبه أهل الرأي , فإنهم يوجبون صاعا , وهو ثمانية أرطال , فيوجبون زيادة على ما يوجبه هؤلاء ست مرات . وأخذ الشافعي ذلك من حديث المجامع في رمضان , فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا , فقال : " خذه وتصدق به " , وسيأتي إن شاء الله تعالى . ثم اختلفوا في البر : هل هو على النصف من ذلك أم هو وغيره سواء ؟ فقال الشافعي : مد من الجميع , وقال مالك : مدان من الجميع , وقال أحمد وأبو حنيفة : البر على النصف من غيره , على أصلهما , فعند أحمد مد من بر , أو نصف صاع من غيره , وعند أبي حنيفة مدان من بر , أو نصف صاع من غيره على اختلافهما في الصاع .
حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها
إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قالت فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك قال والعرق ستون صاعا قال أبو داود في هذا إنها كفرت عنه من غير أن تستأمره قال أبو داود وهذا أخو عبادة بن الصامت حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحق بهذا الإسناد نحوه إلا أنه قال والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا قال أبو داود وهذا أصح من حديث يحيى بن آدم حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال يعني بالعرق زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا
( تجادلك في زوجها ) : هذه الآية الكريمة نزلت في خولة ويقال لها خويلة بالتصغير ظاهر منها زوجها وكان الظهار طلاقا في الجاهلية , فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه فحلفت أنه ما ذكر طلاقا , فقال حرمت عليه , فقالت أشكو إلى الله فاقتي وجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترفع رأسها إلى السماء وتشكو إلى الله ( إلى الفرض ) : أي إلى ما فرض الله تعالى من الكفارة وتمام الآية { وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } ( ما به من صيام ) : أي أي ليس فيه قوة صيام ( بعرق ) : بفتحتين هو السفيفة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها الزنبيل أو الزنبيل نفسه ( قال والعرق ستون صاعا ) : قال في النيل هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة . قال الذهبي : لا يعرف ووثقه ابن حبان , وفيها أيضا محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفا أن العرق يسع خمسة عشر صاعا كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه . انتهى .
( قال أبو داود في هذا ) : أي في هذا الحديث دلالة على أنها ( إنما كفرت ) : خويلة ( عنه ) : عن زوجة أوس بن الصامت ( من غير أن تستأمره ) : في أداء الكفارة , وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازها وأمعناها . ( والعرق مكتل ) : قال في القاموس : المكتل كمنبر زنبيل يسع خمسة عشر صاعا ( هذا أصح من حديث يحيى بن آدم ) يعني الحديث الذي قبله . ( قال يعني العرق زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا ) : معنى يأخذ يسع واعلم أنه وقع الاختلاف في تفسير العرق , ففي رواية يحيى بن آدم عن ابن إدريس عن ابن إسحاق أنه ستون صاعا , وفي رواية محمد بن سلمة عن ابن إسحاق أنه مكتل يسع ثلاثين صاعا , وفي رواية يحيى عن أبي سلمة أنه زنبيل يسع خمسة عشر صاعا , فدل أن العرق قد يختلف في السعة والضيق فيكون بعض الأعراق أكبر وبعضها أصغر , فذهب الشافعي منها إلى التقدير الذي جاء في خبر أبي هريرة من رواية أبي سلمة وهو خمسة عشر صاعا في كفارة المجامع في شهر رمضان , وكذلك قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل مسكين مد , وكذلك قال مالك إلا أنه قال بمد هشام وهو مد وثلث وذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى حديث سلمة بن صخر وهو أحوط الأمرين , وقد يحتمل أن يكون الواجب عليه ستين صاعا ثم يؤتى بخمسة عشر صاعا فيقول تصدق بها , ولا يدل ذلك أنها تجزئه عن جميع الكفارة , ولكنه يتصدق بها في الوقت , ويكون الباقي دينا عليه حتى يجده , إلا أن إسناد حديث أبي هريرة أجود وأحسن اتصالا من حديث سلمة بن صخر كذا في المعالم بأدنى تغيير واختصار .
حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار بهذا الخبر قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأعطاه إياه وهو قريب من خمسة عشر صاعا قال تصدق بهذا قال يا رسول الله على أفقر مني ومن أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كله أنت وأهلك
( على أفقر مني ) : بحذف همزة الاستفهام وفي بعض النسخ بذكرها
قال أبو داود قرأت على محمد بن وزير المصري قلت له حدثكم بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي حدثنا عطاء عن أوس أخي عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكينا قال أبو داود وعطاء لم يدرك أوسا وهو من أهل بدر قديم الموت والحديث مرسل وإنما رووه عن الأوزاعي عن عطاء أن أوسا
( قلت له ) : أي لمحمد بن الوزير والجملة بيان لقرأت ( وهو ) : أي أوس ( من أهل بدر قديم الموت ) : قال ابن حبان مات أيام عثمان . قاله الحافظ ( والحديث مرسل ) : أي منقطع , وقد يجيء عند المحدثين المرسل والمنقطع بمعنى .
حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت وكان رجلا به لمم فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله تعالى فيه كفارة الظهار حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة مثله
( أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت ) : وفي رواية يوسف بن عبد الله المتقدمة أن اسم زوجة أوس خويلة فلعلها كانت تدعى بالاسمين أو جميلة صفتها أي امرأة جميلة كانت تحت أوس والله أعلم ( وكان رجلا به لمم ) : قال الخطابي في المعالم : معنى اللمم ها هنا شدة الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتوقان إليهن . يدل على ذلك قوله في هذا الحديث من الرواية الأولى : كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري , وليس معنى اللمم ها هنا الخبل والجنون ولو كان به ذاك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء ولا غيرها والله أعلم . انتهى .
| |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:58 pm | |
| حدثنا إسحق بن إسمعيل الطالقاني حدثنا سفيان حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ما حملك على ما صنعت قال رأيت بياض ساقها في القمر قال فاعتزلها حتى تكفر عنك
( ثم واقعها ) : أي جامعها
( فاعتزلها حتى تكفر عنك ) : أي عن ظهارك . والحديث دليل على أنه يحرم وطء الزوجة التي ظاهر منها قبل التكفير وهو مجمع عليه لقوله تعالى : { من قبل أن يتماسا } فلو وطئ لم يسقط التكفير ولا يتضاعف لقوله صلى الله عليه وسلم : " حتى تكفر عنك " قال الصلت بن دينار : سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل التكفير فقالوا كفارة واحدة , وهو قول الأئمة الأربعة . وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات . وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو يوسف إلى سقوط الكفارة بالوطء . وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان , وهو قول عبد الرحمن بن مهدي . واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئا منها قبل التكفير أم لا , فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات , وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء , كذا في النيل والسبل . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي في حديث غريب صحيح . وقال النسائي : المرسل أولى بالصواب من المسند . وقال أبو بكر المعافري : ليس في الظهار حديث صحيح يعول عليه , وفيما قاله نظر , فقد صححه الترمذي كما ترى ورجال إسناده ثقات , وسماع بعضهم من بعض مشهور , وترجمة عكرمة عن ابن عباس احتج بها البخاري في غير موضع .
حدثنا الزعفراني حدثنا سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته فرأى بريق ساقها في القمر فوقع عليها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يكفر حدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسمعيل حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر الساق حدثنا أبو كامل أن عبد العزيز بن المختار حدثهم حدثنا خالد حدثني محدث عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث سفيان قال أبو داود و سمعت محمد بن عيسى يحدث به حدثنا المعتمر قال سمعت الحكم بن أبان يحدث بهذا الحديث ولم يذكر ابن عباس قال عن عكرمة قال أبو داود كتب إلي الحسين بن حريث قال أخبرنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس بمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم
( حدثنا الزعفراني إلخ ) : هذا الحديث ليس في بعض النسخ ( بريق ساقها ) : أي لمعانها وحسنها ( في القمر ) : أي في ضوئه .
باب في الخلع
الخلع بضم المعجمة وسكون اللام هو فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب , لأن المرأة لباس الرجل مجازا وضم المصدر تفرقة بين المعنى الحقيقي والمجازي , والأصل قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } كذا في السبل .
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة
( في غير ما بأس ) : وفي رواية من غير ما بأس لغير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة , وما زائدة للتأكيد ( فحرام عليها رائحة الجنة ) : أي ممنوع عنها وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت , أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون , أو لا تجد أصلا , وهذا من المبالغة في التهديد . ونظير ذلك كثير . قاله القاضي . ولا بدع أنها تحرم لذة الرائحة ولو دخلت الجنة . قاله القاري . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وذكر أن بعضهم رواه ولم يرفعه .
حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه فقالت أنا حبيبة بنت سهل قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل وذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس خذ منها فأخذ منها وجلست هي في أهلها
( إلى الصبح ) : أي إلى صلاة الصبح ( عند بابه ) : أي باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في الغلس ) : هو ظلمة آخر الليل اختلط بضوء الصباح ( لا أنا ولا ثابت بن قيس ) أي لا يمكن الاجتماع بيننا ( كل ما أعطاني عندي ) : مبتدأ وخبر أي كل ما أعطاني من المهر موجود عندي ( خذ منها فأخذ منها ) : فيه أنه قد أخذ منها جميع ما كان أعطاها . وقد اختلف الناس في هذا , فكان سعيد بن المسيب يقول : لا يأخذ منها جميع ما أعطاها ولا يزيد على ما ساق إليها شيئا : وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك جائز على ما تراضيا عليه قل أو كثر قاله الخطابي ( وجلست في أهلها ) : فيه دليل على أنه لا سكنى للمختلعة على الزوج قاله الخطابي . وقال في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق , ولو كان طلاقا لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمسس فيه المطلقة , ومن كونه صادرا من قبل الزوج وحده من غير مراضاة المرأة , فلما لم يتعرف النبي صلى الله عليه وسلم الحال في ذلك وأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق . وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } الآية قال ثم ذكر الخلع فقال { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ثم ذكر الطلاق فقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا . وإلى هذا ذهب طاوس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي , وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور , وروي عن علي وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أن الخلع تطليقة بائنة , وبه قال الحسن وإبراهيم النخعي وعطاء وابن المسيب وشريح والشعبي ومجاهد ومكحول والزهري , وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي , وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وهو أصحهما والله أعلم انتهى باختصار يسير . قال المنذري : وأخرجه النسائي .
حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا أبو عمرو السدوسي المديني عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر بعضها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال خذ بعض مالها وفارقها فقال ويصلح ذلك يا رسول الله قال نعم قال فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذهما وفارقها ففعل
( فضربها فكسر بعضها ) : وفي رواية النسائي عن الربيع بنت معوذ فكسر يدها ( فاشتكته إليه ) : ظاهر هذه الرواية أنها اشتكت للضرب فهي معارضة بما في صحيح البخاري : إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين وأجيب بأنها لم تشكه للضرب بل لسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة , ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما فقالت والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال بلغني أنها قالت يا رسول الله بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم ( فقال ويصلح ذلك ) : أي هل يجوز أن آخذ بعض مالها وأفارقها ( فإني أصدقتها ) : أي جعلت صداقها ( حديقتين ) : الحديقة البستان . والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز حدثنا علي بن بحر القطان حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة قال أبو داود وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
( فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة ) : قال الخطابي في معالم السنن : هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق لأن الله تعالى قال { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فلو كانت هذه مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد انتهى . والحديث سكت عنه المنذري .
( عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ) : أي لم يذكر الصحابي .
قال المنذري : وأخرجه الترمذي مسندا وقال هذا حديث حسن غريب .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وروى النسائي حديث امرأة ثابت بن قيس موصولا مطولا عن الربيع بنت معوذ : " أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته , فكسر يدها , وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي , وأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت , فقال له : خذ الذي لها عليك , وخل سبيلها قال : نعم , فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة , وتلحق بأهلها " . قال الترمذي في جامعه : الصحيح في حديث الربيع : " أنها أمرت أن تعتد " , وهذا مرفوع , وقد صرح في الرواية الأخرى " أن الذي أمرها بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم ذكر الترمذي حديث ابن عباس : " أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة " , وقال : هذا حديث حسن غريب . والمعروف عن إسحاق : أن عدتها حيضة , وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد , نقلها عنه أبو القاسم , وهو قول عثمان بن عفان وعبد الله من عباس , وعن ابن عمر روايتان : إحداهما : أن عدتها عدة المطلقة , ذكره مالك في الموطأ عن نافع عنه . والثانية : حيضة , نقلها ابن المنذر عنه وهي رواية القعنبي عنه . قال أبو داود عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال : " عدة المختلعة حيضة " , اختار ابن المنذر أن عدتها حيضة . وقد ذكر الله تعالى في آية الطلاق ثلاثة أحكام , أحدها : أن التربص فيه ثلاثة قروء , الثاني : أنه مرتان , الثالث : أن الزوج أحق برد امرأته في المرتين . فالخلع ليس بداخل في الحكم الثالث اتفاقا , وقد دلت السنة أنه ليس داخلا في الحكم الأول , وذلك يدل على عدم دخوله في حكم العدد , فيكون فسخا . وهذا من أحسن ما يحتج به على ذلك .
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال عدة المختلعة حيضة
( عن ابن عمر قال عدة المختلعة حيضة ) : قال الترمذي : اختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة المطلقة , وهو قول الثوري وأهل الكوفة , وبه يقول أحمد وإسحاق . وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : عدة المختلعة حيضة قال إسحاق : وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي انتهى .
باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد
أي حال كونها تحت حر أو عبد . قال النووي : أجمعت الأمة على أن الأمة إذا أعتقت تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح , فإن كان حرا فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة : له الخيار واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرا , وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم , لكن قال شعبة ثم سألته عن زوجها فقال لا أدري . واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة . والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدا . قال الحافظ : رواية من روى أنه كان حرا غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات انتهى .
حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن مغيثا كان عبدا فقال يا رسول الله اشفع لي إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك فقالت يا رسول الله أتأمرني بذلك قال لا إنما أنا شافع فكان دموعه تسيل على خده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه
( أن مغيثا )
: بضم أوله وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة اسم زوج بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها ( كان عبدا ) : وعند الترمذي من طريق أيوب وقتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني المغيرة يوم أعتقت بريرة وهذا يرد قول من قال كان عبدا قبل العتق حرا بعده ( اشفع لي إليها ) : أي إلى بريرة لترجع إلى عصمتي ( أتأمرني بذاك ) : أي على سبيل الحتم . وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين وبسند صحيح : فقالت يا رسول الله أشيء واجب علي ( قال لا ) : أي لا آمر حتما . قال الخطابي : في قول بريرة أتأمرني بذلك يا رسول الله دليل على أن أصل أمره صلى الله عليه وسلم على الحتم والوجوب ( إنما أنا شافع ) أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة لا على سبيل الحتم عليك ( فكان دموعه ) : أي دموع مغيث ( تسيل ) : أي تجري لفرط محبته لها ( على خده )
: وفي رواية البخاري على لحيته ( للعباس ) : هو ابن عبد المطلب والد راوي الحديث ( ألا تعجب من حب مغيث إلخ ) : قيل إنما كان التعجب لأن الغالب في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوبا . قال المنذري : وأخرجه البخاري بمعناه .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد
( فخيرها ) : أي بين اختيار الزوج واختيار الفسخ ( وأمرها أن تعتد ) : أي بثلاث حيض كما أخرج ابن ماجه من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض . قال المنذري : وأخرجه البخاري مختصرا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : هكذا الرواية " وأمرها أن تعتد " وزاد الدارقطني : " عدة الحرة " ولعله مدرج من تفسير بعض الرواة . وقد روى ابن ماجة في سننه : أخبرنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : " أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض " , وهذا مع أنه إسناد الصحيحين , فلم يروه أحد من أهل الكتب الستة إلا ابن ماجة , ويبعد أن تكون الثلاث حيض محفوظة . فإن مذهب عائشة : أن الأقراء الأطهار , وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تستبرئ بحيضة كما تقدم , فهذه أولى , ولأن الأقراء الثلاث إنما جعلت في حق المطلقة ليطول زمن الرجعة , فيتمكن زوجها من رجعتها متى شاء , ثم أجرى الطلاق كله مجرى واحدا . وطرد هذا : أن المزني بها تستبرأ بحيضة , وقد نص عليه أحمد .
وبالجملة : فالأمر بالتربص ثلاثة قروء إنما هو للمطلقة , والمعتقة إذا فسخت فهي بالمختلعة والأمة المستبرأة أشبه , إذ المقصود براءة رحمها , فالاستدلال على تعدد الأقراء في حقها بالآية غير صحيح , لأنها ليست مطلقة , ولو كانت مطلقة لثبت لزوجها عليها الرجعة . وأما الأحاديث في هذه اللفظة ففي صحتها نظر , وحديث الدارقطني , المعروف أن الحسن رواه مرسلا " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة " ورواه البيهقي في سننه من حديث عكرمة عن ابن عباس . وفيه وجه رابع : وهو أنه جعل عدتها عدة المطلقة , رواه البيهقي من حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . ورواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن بكار عن أبي معشر . فهذه أربعة أوجه : أحدها : أن تعتد . الثاني : عدة الحرة . الثالث : عدة المطلقة . الرابع : بثلاث حيض .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة بريرة قالت كان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ولو كان حرا لم يخيرها
( ولو كان )
: أي زوج بريرة ( حرا لم يخيرها ) أي بريرة . وفي هذا الحديث دليلان على كون زوج بريرة عبدا أحدهما إخبار عائشة إنه كان عبدا وهي صاحبة القضية , الثاني قولها لو كان حرا لم يخيرها , ومثل هذا لا يكاد واحد يقوله إلا توقيفا . قاله النووي . قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي والوليد بن عقبة عن زائدة عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا ( عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ) : أي القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخي عائشة ( وكان زوجها عبدا ) : الظاهر أن الواو للحال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال والحديث أخرجه مسلم والنسائي .
Admin
الدوله: مصر الجنس: عدد الرسائل: 4097 العمر: 34 السٌّمعَة: 32 نقاط: 7991 تاريخ التسجيل: 07/06/2008
موضوع: رد: كتاب الطلاق الثلاثاء مارس 30, 2010 10:57 pm
+ ---- - باب من قال كان حرا
حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت وأنها خيرت فقالت ما أحب أن أكون معه وأن لي كذا وكذا
( عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت ) : استدل به أبو حنيفة رحمه الله على أن للأمة المعتقة الخيار إذا كان زوجها حرا ولكن في كون قوله كان حرا موصولا كلام . قال المنذري : وقوله كان حرا هو من كلام الأسود بن يزيد جاء ذلك مفسرا وإنما وقع مدرجا في الحديث . وقال البخاري : قول الأسود منقطع وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح . هذا آخر كلامه . وقد روي عن الأسود عن عائشة أن زوجها كان عبدا فاختلفت الرواية عن الأسود ولم تختلف عن ابن عباس وغيره ممن قال كان عبدا , وقد جاء عن بعضهم أنه قول إبراهيم النخعي وعن بعضهم أنه من قول الحكم بن عتيبة . قال البخاري : وقول الحكم مرسل هذا آخر كلامه . وروى القاسم بن محمد وعروة بن الزبير ومجاهد وعمرة بنت عبد الرحمن كلهم عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا والقاسم هو ابن أخي عائشة وعروة هو ابن أختها وكانا يدخلان عليها بلا حجاب وعمرة كانت في حجر عائشة , وهؤلاء أخص الناس بها , وأيضا فإن عائشة رضي الله عنها كانت تذهب إلى خلاف ما روي عنها وكان رأيها لا يثبت لها الخيار تحت الحر . وروى نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبدا . قال البيهقي : إسناد صحيح . وقال إبراهيم بن أبي طالب : خالف الأسود بن يزيد الناس في زوج بريرة فقال إنه حر وقال الناس إنه عبد انتهى كلام المنذري . قال الحافظ في الفتح : وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال كان حرا على رواية من قال كان عبدا فقال الرق تعقبه الحرية بلا عكس وهو كما قال , لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة , أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود , ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع . والذي يتحصل من كلام محققيهم وقد أكثر منه الشافعي ومن تبعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين , ومنهم من شرط التساوي في القوة انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .
باب حتى متى يكون لها الخيار
أي إلى متى .
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحق عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح عن مجاهد وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها إن قربك فلا خيار لك
( عن محمد بن إسحاق إلخ ) : حاصله أن الحديث رواه محمد بن إسحاق بإسنادين مرسلا ومتصلا أحدهما عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح كلاهما عن مجاهد بن جبر أن بريرة أعتقت مرسلا , وثانيهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة متصلا , هكذا قاله المزي في الأطراف , فإنه أورد رواية مجاهد هذه في المراسيل في ترجمة أبان بن صالح بن عمير القرشي عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج المكي , ولم يذكر هذا الحديث في ترجمة مجاهد بن جبر عن عائشة . وكذا أورد الحافظ المزي هذا الحديث في ترجمة محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذا في غاية المقصود ( عبد لآل أبي أحمد ) : بالجر بدل من مغيث ( إن قربك ) : بكسر الراء أي جامعك ( فلا خيار لك ) : فيه دليل على أن خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها , وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد , وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور , وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام , وقيل بقيامها من مجلس الحاكم , وقيل من مجلسها , وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينه من نفسها , ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن تشأ فارقته وإن وطئ لها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه . وفي رواية للدارقطني إن وطئك فلا خيار لك كذا في النيل . قال المنذري : في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه .
باب في المملوكين يعتقان معا هل تخير امرأته
أي الذين أحدهما زوج للآخر يعتقان معا هل تخير امرأته , أي زوجة المملوك المفهوم من المملوكين .
حدثنا زهير بن حرب ونصر بن علي قال زهير حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن القاسم عن عائشة أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها زوج قال فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة قال نصر أخبرني أبو علي الحنفي عن عبيد الله
( مملوكين لها ) : أي كائنين ثابتين لعائشة ( زوج ) : أي هما زوج أي رجل وامرأة لأن الزوج في الأصل يطلق على شيئين بينهما ازدواج , وقد يطلق على فرد منهما . قال الطيبي : قوله لها زوج كذا في سنن أبي داود وفي إعرابه إشكال إلا أن يقدر أحدهما زوج للآخر أو بينهما ازدواج , وفي أكثر النسخ للمصابيح وفي شرح السنة زوجين على أنه صفة مملوكين , والضمير في لها لعائشة , وفي بعض نسخ المصابيح مملوكة لها , فالضمير للجارية , كذا في المرقاة . قلت : في بعض نسخ أبي داود الموجودة بأيدينا زوجين , وفي بعضها زوجا وامرأته وفي الأكثر زوج ( فسألت ) : أي عائشة ( فأمرها أن تبدأ بالرجل ) : أي بإعتاق الرجل قبل المرأة لأن إعتاقه لا يوجب فسخ النكاح وإعتاق المرأة يوجبه , فالأول أولى بالابتداء لئلا ينفسخ النكاح إن بدئ به . هذا حاصل كلام المظهر قال القاري : والأظهر أنه إنما بدئ به لأنه الأكمل والأفضل أو لأن الغالب استنكاف المرأة عن أن يكون زوجها عبدا بخلاف العكس والله تعالى أعلم انتهى . قال الخطابي في المعالم : في هذا دلالة على أن الخيار بالعتق إنما يكون للأمة إذا كانت تحت عبد ولو كان لها خيار إذا كانت تحت حر لم يكن لتقديم عتق الزوج عليها معنى ولا فيه فائدة . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب وقد ضعفه يحيى بن معين , وقال مرة ثقة , وقال النسائي : ليس بذلك القوي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : واستدل به من يقول : إن التخيير إنما يكون للمعتقة تحت عبد , ولو كان لها خيار إذا كانت تحت حر لم يكن لتقديم عتق الزوج عليها معنى ولا فائدة وفيه نظر .
باب إذا أسلم أحد الزوجين
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال يا رسول الله إنها قد كانت أسلمت معي فردها علي
( فردها عليه ) : فيه التفات , وفي بعض النسخ علي بتشديد الياء . والحديث يدل على أن الزوجين إذا أسلما معا فهما على نكاحهما ولا يسأل عن كيفية وقوعه قبل الإسلام هل وقع صحيحا أم لا ما لم يكن المبطل قائما , كما إذا أسلم وقد نكحها وكانت هي محرما له بنسب إرضاع . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح .
حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فجاء زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول
( فجاء زوجها ) : أي زوجها الأول ( وعلمت بإسلامي ) : أي ومع هذا تزوجت ( من زوجها الآخر ) : بكسر الخاء . والحديث دليل على أنه إذا أسلم الزوج وعلمت امرأته بإسلامه فهي في عقد نكاحه وإن تزوجت فهو تزوج باطل تنتزع من الزوج الآخر . قال القاري ناقلا عن المظهر : إذا أسلما قبل انقضاء العدة ثبت النكاح بينهما سواء كانا على دين واحد كالكتابيين والوثنيين أو أحدهما كان على دين والآخر على دين , وسواء كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب , أو أحدهما في أحدهما والآخر في الآخر , وهذا مذهب الشافعي وأحمد . وقال أبو حنيفة : تحصل الفرقة بينهما بأحد ثلاثة أمور : انقضاء العدة أو عرض الإسلام على الآخر مع الامتناع عنه أو بنقل أحدهما من دار الإسلام إلى دار الحرب أو بالعكس , وسواء عنده الإسلام قبل الدخول أو بعده انتهى . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .
باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة ح و حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة يعني ابن الفضل ح و حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد المعنى كلهم عن ابن إسحق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا قال محمد بن عمرو في حديثه بعد ست سنين وقال الحسن بن علي بعد سنتين
( ولم يحدث شيئا ) : وفي رواية لأحمد : ولم يحدث شهادة ولا صداقا ( قال محمد بن عمرو في حديثه بعد ست سنين . وقال الحسن بن علي بعد سنتين ) : ووقع في رواية بعد ثلاث سنين , وأشار الحافظ في الفتح إلى الجمع فقال : المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه , وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى : { لا هن حل لهم } وقدومه مسلما , فإن بينهما سنتين وأشهرا . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وفي حديث الترمذي بعد ست سنين , وفي حديث ابن ماجه بعد سنتين . وقال الترمذي : ليس بإسناده بأس , ولكن لا يعرف وجه هذا الحديث , ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن الحصين من قبل حفظه . وحكي عن يزيد بن هارون أنه ذكر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد , وقال حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب . وقال الخطابي : وهذا أصح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث . إما الطولى منها وإما القصرى , إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه , وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث . وقال بعضهم معنى ردها عليه على النكاح الأول أي على مثل النكاح الأول في الصداق والحباء لم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره . وقال البخاري : حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب . وقال الدارقطني : في حديث عمرو بن شعيب هذا لا يثبت والصواب حديث ابن عباس . وقال الخطابي : إنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة لأنه معروف بالتدليس , وحكى محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال : لم يسمعه حجاج بن عمرو . انتهى كلام المنذري . وقال الحافظ : وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة , فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك انتهى . وقال ابن القيم في زاد المعاد ما محصله : إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث وإلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا , ولو كان الإسلام بمجرد فرقة لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح . قال : ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل الواقع أحد الأمرين , إما افتراقهما ونكاحها غيره وإما بقاؤهما على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وإما تنجيزا لفرقة أو مراعاة العدة , فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده . قال الشوكاني : هذا كلام في غاية الحسن والمتانة .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقال الإمام أحمد : حديث ابن عباس في هذا أصح , قيل له . أليس يروي " أنه ردها بنكاح مستأنف ؟ " قال : ليس لذلك أصل . وقال ابن عبد البر : قصة أبي العاص مع امرأته لا تخلو من أن تكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار , فتكون منسوخة بما جاء بعدها , أو تكون حاملا , واستمر حملها حتى أسلم زوجها , أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم , أو تكون ردت إليه بنكاح جديد - ثم ذكر حديث عمرو بن شعيب - تم كلامه . وللناس في حديث ابن عباس عدة طرق : أحدها : رده باستمرار العمل على خلافه , قال الترمذي : سمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : حديث ابن عباس أجود إسنادا , والعمل على حديث عمرو بن شعيب . وقال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء أن بانقضاء العدة ينفسخ النكاح إلا شيء روي عن النخعي , شذ فيه عن جماعة العلماء , فلم يتبعه عليه أحد , زعم أنها ترد إلى زوجها , وإن طالت المدة . الثاني : معارضته بحديث عمرو بن شعيب . الثالث : تضعيف داود بن الحصين عن عكرمة . الرابع : حمله على ردها بنكاح مثل الأول , لم يحدث فيه شيئا . الخامس : حمله على تطاول زمن العدة . السادس : القول بموجبه , ويروى عن علي بن أبي طالب وإبراهيم النخعي , وغيرهما . السابع : أن تحريم نكاح الكفار إنما كان في سورة الممتحنة : وهي نزلت بعد الحديبية , فلم يكن نكاح الكافر المسلمة قبل ذلك حراما , ولهذا في قصة الممتحنة : " لما نزلت { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } عمد عمر إلى امرأتين له فطلقهما . ذكره البخاري . فدل على أن التحريم كان من يومئذ . وإذا ثبت هذا فأبو العاص بن الربيع إنما أسلم في زمن الهدنة بعد ما أخذت سرية زيد بن حارثة ما معه , فأتى المدينة فأجارته زينب , فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها , ودخل عليها فقال : " أي بنية , أكرمي مثواه , ولا يخلص إليك , فإنك لا تحلين له " وكان هذا بعد نزول آية التحريم في الممتحنة , ثم إن أبا العاص رجع إلى مكة , فأدى ما كان عنده من بضائع أهل مكة , ثم أسلم , وخرج إلى المدينة فلم يطل الزمان بين إسلامه ونزول آية التحريم فردها عليه بالنكاح الأول . الثامن : أن حديث ابن عباس في قصته منسوخ , وسلك ذلك الطحاوي , وادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إليه بعد رجوعه من بدر حين أسر , وروى في ذلك عن الزهري " أنه أخذ أسيرا يوم بدر فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم , فرد عليه ابنته " , ثم إن الله سبحانه حرم نكاح الكفار في قضية الممتحنة . التاسع : ما حكاه عن بعض أصحابهم في الجمع بين الحديثين بأن عبد الله بن عمرو علم تحريم نكاح الكافر , فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد , فقال " ردها عليه بنكاح جديد " , ولم يعلم ابن عباس , بالتحريم , فقال " ردها بالنكاح الأول " , لأنه لم يكن عنده بينهما فسخ نكاح . فهذه مجامع طرق الناس في هذا الحديث . أفسدها هذان الآخران , فإنهما غلط محض , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يردها على أبي العاص يوم بدر قط وإنما الحديث في قصة بدر . أن النبي أطلقه , وشرط عليه أن يرد عليه ابنته , لأنها كانت بمكة , فلما أسر أبو العاص أطلقه بشرط أن يرسلها إلى أبيها , ففعل , ثم أسلم بعد ذلك بزمان في الهدنة , هذا هو المعروف الذي لا يشك فيه من له علم بالمغازي والسير , وما ذكروه عن الزهري وقتادة فمنقطع لا يثبت . وأما المسلك التاسع , فمعاذ الله أن يظن بالصحابة أنهم يروون أخبارا عن الشيء الواقع والأمر بخلافه , بظنهم واعتقادهم , وهذا لا يدخله إلا الصدق والكذب , فإنه إخبار عن أمر واقع مشاهد , هذا يقول ردها بنكاح جديد , فهل يسوغ أن يخبر بذلك بناء على اعتقاده من غير أن يشهد القصة أو تروى له ؟ وكذا من قال " ردها بالنكاح الأول " . وكيف يظن بعبد الله بن عمرو أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عقد نكاح لم يثبته ولم يشهده ولا حكي له ؟ وكيف يظن بابن عباس أن يقول " ردها بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا , وهو لا يحيط علما بذلك ؟ ثم كيف يشتبه على مثله نزول آية الممتحنة , وما تضمنته من التحريم قبل رد زينب على أبى العاص , ولو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لحداثة سنه , أفترى دام هذا الاشتباه عليه , واستمر حتى يرويه كبيرا , وهو شيخ الإسلام ! ! ومثل هذه الطرق لا يسلكها الأئمة , ولا يرضى بها الحذاق . وأما تضعيف حديث داود بن الحصين عن عكرمة , فمما لا يلتفت إليه . فإن هذه الترجمة صحيحة عند أئمة الحديث لا مطعن فيها , وقد صحح الإمام أحمد والبخاري والناس حديث ابن عباس , وحكموا له على حديث عمرو بن شعيب . وأما حملها على تطاول العدة فلا يخفى بعده . وأما حمله على أنه ردها بنكاح جديد مثل الأول , ففي غاية البعد , واللفظ ينبو عنه . وأما رده بكونه خلاف الإجماع ففاسد , إذ ليس في المسألة إجماع , والخلاف فيها أشهر , والحجة تفصل بين الناس . وليس القول في الحديث إلا أحد قولين : إما قول إبراهيم النخعي , وإما قول من يقول : إن التحريم لم يكن ثابتا إلى حين نزول الممتحنة , فكانت الزوجية مستمرة قبل ذلك . فهذان المسلكان أجود ما سلك في الحديث . والله أعلم .
باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان
حدثنا مسدد حدثنا هشيم ح و حدثنا وهب بن بقية أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن الحارث بن قيس قال مسدد ابن عميرة وقال وهب الأسدي قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعا قال أبو داود و حدثنا به أحمد بن إبراهيم حدثنا هشيم بهذا الحديث فقال قيس بن الحارث مكان الحارث بن قيس قال أحمد بن إبراهيم هذا هو الصواب يعني قيس بن الحارث حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة عن عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن قيس بن الحارث بمعناه
( عن حميضة )
: بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح الضاد المعجمة ( بن الشمرذل ) : بفتح الشين المعجمة وفتح الميم وسكون الراء وفتح الدال المعجمة آخره لام بوزن سفرجل . قال الحافظ : مقبول من الثالثة ( قال مسدد )
: أي في روايته ( ابن عميرة ) : أن نسب مسدد قيسا إلى أبيه وقال عن الحارث بن قيس بن عميرة وقال وهب في روايته أي قال الحارث بن قيس الأسدي ( اختر منهن أربعا ) : ظاهره يدل على أن الاختيار في ذلك إليه يمسك من شاء منهن سواء كان عقد عليهن كلهن في عقد واحد أو لا لأن الأمر قد فوض إليه من الاختيار من غير استفصال , وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري : إن نكحهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن , وإن كان نكح واحدة بعد الأخرى حبس أربعا منهن الأولى فالأولى ويترك سائرهن . هذا تلخيص ما قال الخطابي في المعالم . وقال علي القاري في المرقاة : قال المظهر فيه أن أنكحة الكفار صحيحة حتى إذا أسلموا لم يؤمروا بتجديد النكاح إلا إذا كان في نكاحهم من لا يجوز الجمع بينهن من النساء , وأنه لا يجوز أكثر من أربع نسوة وأنه إذا قال : اخترت فلانة وفلانة للنكاح ثبت نكاحهن وحصلت الفرقة بينه وبين ما سوى الأربع من غير أن يطلقهن . وقال قال محمد في موطئه : بهذا نأخذ يختار منهن أربعا أيتهن شاء ويفارق ما بقي . وأما أبو حنيفة رحمه الله فقال الأربع الأول جائز , ونكاح من بقي منهن باطل , وهو قول إبراهيم النخعي . قال ابن الهمام : والأوجه قول محمد . انتهى . ( قال أحمد بن إبراهيم : هذا هو الصواب يعني قيس بن الحارث ) : قال الحافظ في التقريب : قيس بن الحارث الأسدي , ويقال الحارث بن قيس , قال المنذري وفي روايته قيس بن الحارث وضعفه بعضهم , وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة وقال أبو القاسم البغوي ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا . وقال أبو عمر النمري : ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح . وقد أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن . قال البخاري : هذا حديث غير محفوظ , يعني أن الصحيح إرساله , وقد ذكر ذلك وبينه . وقال مسلم بن الحجاج : أهل اليمن أعرف بحديث معمر فإن حدث به ثقة من غير أهل البصرة موصولا [ هكذا في نسخة المنذري من غير ذكر الجزاء أي فأخذ به ] وأخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن عباس وإسناده ضعيف .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد اختصر كلام البخاري , ونحن نذكره لكمال الفائدة : قال البخاري : حديث غيلان بن سلمة , يعني من حديث عبد الله بن عمر , غير محفوظ , والصحيح ما رواه شعيب وغيره عن الزهري عن محمد بن سويد الثقفي " أن غيلان أسلم " قال البخاري : وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه " أن رجلا من ثقيف طلق نساءه , فقال عمر : لتراجعن نساءك , أو لأرجمن قبرك , كما رجم قبر أبي رغال " . وقال ابن عبد البر . الأحاديث في تحريم ما زاد على الأربع كلها معلولة . وقال ابن القطان : هذا حديث مختلف فيه على الزهري ومالك ومعمر يقولان عنه : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف , ويونس في روايته عنه يقول : عن الزهري عن عثمان بن محمد بن أبي سويد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان حين أسلم " , ذكره ابن وهب عن يونس , وروى الليث عن يونس عن ابن شهاب : بلغني عن عثمان بن أبي سويد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث وروى شعيب بن أبي حمزة وغير واحد عن الزهري : حديث عن محمد بن سويد الثقفي : " أن غيلان أسلم " , ذكره البخاري والناس , وقال معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه : أن غيلان أسلم " , ذكره الإمام أحمد بن حنبل وغيره . فهذه خمس وجوه . آخر كلامه . وقد رواه الدارقطني من حديث سيف بن عبد الله الجرمي أخبرنا سرار بن مجشر عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر : أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة , فأمره النبي أن يمسك منهن أربعا , فلما كان زمن عمر طلقهن , فقال له عمر : راجعهن , وإلا ورثتهن مالك , وأمرت بقبرك يرجم " . ولكن سيف وسرار ليسا بمعروفين بحمل الحديث وحفظه , وقال الدارقطني في كتاب العلل - وقد ذكر هذا الحديث - : تفرد به سيف بن عبد الله الجرمي عن سرار , وسرار ثقة من أهل البصرة . ومعلوم أن تفرد سيف بهذا مانع من الحكم بصحته بل لو تفرد به من هو أجل من سيف لكان تفرده علة . والله أعلم .
حدثنا يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال طلق أيتهما شئت
( عن أبي وهب الجيشاني ) : بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة قيل اسمه ديلم بن هوشع , وقال ابن يونس هو عبيد بن شرحبيل مقبول من الرابعة . كذا في التقريب ( عن الضحاك بن فيروز ) : بفتح فائه غير منصرف للعجمة والعلمية ( عن أبيه )
: هو فيروز وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء , وكان ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن , قتل في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصله خبره في مرضه الذي مات فيه ( طلق أيتهما شئت ) : ذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه لو أسلم رجل وتحته أختان وأسلمتا معه كان له أن يختار إحداهما سواء كانت المختارة تزوجها أولا أو آخرا . وقال أبو حنيفة رحمه الله : إن تزوجهما معا لا يجوز له أن يختار واحدة منهما , وإن تزوجهما متعاقبتين له أن يختار الأولى منهما دون الأخيرة . كذا في المرقاة . قلت : والظاهر ما ذهب إليه الأولون لتركه رضي الله عنه للاستفصال قال الخطابي : فيه حجة لمن ذهب إلى أن اختياره إحداها لا يكون فسخا لنكاح الأخرى حتى يطلقها . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : حديث حسن , وفي لفظ الترمذي : اختر أيتهما شئت . ولفظ ابن ماجه : طلق , كما ذكره أبو داود .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : هذا الحديث يرويه أبو وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه . قال البخاري : في إسناد هذا الحديث نظر . ووجه قوله : أن أبا وهب والضحاك مجهول حالهما , وفيه يحيى ابن أيوب , ضعيف . وقوله " طلق أيتهما شئت ؟ دليل على أنه إذا طلق واحدة لم يكن اختيارا لها كما قال أصحابنا وأصحاب الشافعي , قالوا : لأن الطلاق إنما يكون للزوجة لا للأجنبية , فإذا طلقها كان دليلا على استبقاء نكاحها , وهذا ضعيف جدا , فإن طلاقه لها إنما هو رغبة عنها , وقطع لنكاحها , فكيف يكون اختيارا لها ؟ وهو لو قال : طلقت هذه وأمسكت هذه , أو اخترت هذه : جعلتم التي اختار إمساكها مفارقة والتي اختار طلاقها مختارة ! وهذا معلوم أنه ضد مقصوده . وأقصى ما في الباب أنه استعمل لفظ الطلاق في مفارقتها النبي صلى الله عليه وسلم قال له " فارق سائرهن " والمفارقة أيضا من سرائح الطلاق عندكم , فإذا قال : فارقت هذه , كان اختيارا لها ! وهذا أحد الوجهين لهم . وإنما يكون مفارقا لها إذا قال : فسخت نكاح هؤلاء أو | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الأربعاء يونيو 16, 2010 12:00 am | |
| باب في اللعان
قال في الفتح : اللعان مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدأ به في الآية , وهو أيضا يبدأ به , وقيل سمي لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما , وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها . ثم قال : وأجمعوا على أن اللعان مشروع وعلى أنه يجوز مع عدم التحقق . واختلف في وجوبه على الزوج , لكن لو تحقق أن الولد ليس منه قوي الوجوب .
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال له يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال له يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثني محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحق حدثني عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعاصم بن عدي أمسك المرأة عندك حتى تلد حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال حضرت لعانهما عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وساق الحديث قال فيه ثم خرجت حاملا فكان الولد يدعى إلى أمه
( أن عويمر بن أشقر ) : بمعجمة فقاف ( العجلاني )
: بفتح العين وسكون الجيم ( أرأيت رجلا ) : أي أخبرني عن حكم رجل ( وجد مع امرأته رجلا ) : أي وجزم أنه زنى بها ( أيقتله فتقتلونه ) : أي قصاصا , وفي بعض النسخ فيقتلونه بالياء المثناة من تحت أي يقتله أهل القتيل ( أم كيف يفعل ) : يحتمل أن تكون أم متصلة والتقدير أم يصبر على ما به من المضض , ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب أي بل هناك حكم آخر لا نعرفه ويريد أن يطلع عليه فلذلك قال سل لي يا عاصم . قال النووي : اختلفوا فيمن قتل رجلا قد جزم أنه زنى بامرأته , فقال جمهورهم يقتل إلا أن يقوم بذلك بينة أو يعترف له ورثة القتيل ويكون القتيل محصنا والبينة أربعة من العدول من الرجال يشهدون على نفس الزنا . أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شيء عليه ( فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ) : لما فيها من البشاعة وغيرها . قال النووي : المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو إشاعة فاحشة أو شناعة عليه , وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت , فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل فيجيبهم صلى الله عليه وسلم غير كراهة ( حتى كبر )
: بفتح الكاف وضم الموحدة أي عظم وزنا ومعنى ( لا أنتهي حتى أسأله عنها ) : أي لا أمتنع عن السؤال ( وهو وسط الناس ) بفتح السين وسكونها ( فقال يا رسول الله أرأيت ) : أي أخبرني وعبر بالإبصار عن الإخبار لأن الرؤية سبب العلم وبه يحصل الإعلام . فالمعنى أعلمت فأعلمني ( أيقتله فيقتلونه ) : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه . وفي بعض النسخ فيقتلونه أي يقتله أهل القتيل ( قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن ) : أي قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } إلى آخر الآيات ( فاذهب فأت بها ) : يعني فذهب فأتى بها ( فلما فرغا ) : أي عويمر وزوجته عن التلاعن ( كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ) : أي في نكاحي وهو كلام مستقل ( فطلقها عويمر ثلاثا ) : كلام مبتدأ منقطع عما قبله تصديقا لقوله في أنه لا يمسكها , وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق . قال بعض الشراح : قوله كذبت عليها كلام مستقل توطئة لتطليقها ثلاثا يعني إن أمسكت هذه المرأة في نكاحي ولم أطلقها يلزم كأني كذبت فيما قذفتها , لأن الإمساك ينافي كونها زانية , فلو أمسكت فكأني قلت هي عفيفة لم تزن فطلقها ثلاثا لقوله إنه لا يمسكها انتهى
( قال ابن شهاب ) : هو الزهري ( فكانت تلك ) : أي الفرقة بين المتلاعنين . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه . ( أمسك المرأة عندك حتى تلد ) : هذا صريح في أن اللعان وقع بينهما وهي حامل , وفيه جواز لعان الحامل . قال المنذري : في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه . ( حضرت لعانهما ) : أي لعان عويمر وامرأته ( ثم خرجت ) : أي امرأة عويمر ( فكان الولد يدعى إلى أمه ) : لقوله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " . والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا محمد بن جعفر الوركاني أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد عن الزهري عن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا قال فجاءت به على النعت المكروه حدثنا محمود بن خالد الدمشقي حدثنا الفريابي عن الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي بهذا الخبر قال فكان يدعى يعني الولد لأمه حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وسلم سنة قال سهل حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا
( أبصروها )
: أي انظروا المرأة الملاعنة ( فإن جاءت به ) : أي بالولد
( أدعج العينين )
: في النهاية : الدعج السواد في العين وغيرهما , وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها ( عظيم الأليتين ) : بفتح الهمزة والألية العجيزة , وكان الرجل الذي نسب إليه الزنا موصوفا بهذه الصفات ( فلا أراه ) : بضم الهمزة أي لا أظن عويمرا ( إلا قد صدق ) : بتخفيف الدال أي تكلم بالصدق ( وإن جاءت به أحيمر ) : تصغير أحمر ( كأنه وحرة ) : بفتحات دويبة حمراء تلتزق بالأرض ( فلا أراه إلا كاذبا ) : فإن عويمرا كان أحمر ( فجاءت به على النعت المكروه ) : وهو شبهه بمن رميت به . والحديث سكت عنه المنذري .
( فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : قال الخطابي : يحتمل وجهين أحدهما إيقاع الطلاق وإنفاذه , وهذا على قول من زعم أن اللعان لا يوجب الفرقة وإن فراق العجلاني امرأته إنما كان بالطلاق , وهو قول عثمان البتي , والوجه الآخر أن يكون معناه إنفاذ الفرقة الدائمة المتأبدة , وهذا على قول من لا يراها تصلح للزوج بحال وإن كذب نفسه فيما رماها به , وإلى هذا ذهب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري ويعقوب وأحمد وإسحاق ويشهد لذلك قوله عليه السلام " ولا يجتمعان أبدا " وقال الشافعي : إن كانت زوجته أمة فلاعنها ثم اشتراها لم تحل له إصابتها لأن الفرقة وقعت متأبدة فصارت كحرمة الرضاع . ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إذا كذب نفسه بعد اللعان ارتفع تحريم العقد وكان للزوج نكاحها كما إذا أكذب نفسه بعد اللعان ثبت النسب ولحقه الولد .
( ثم لا يجتمعان أبدا ) : فيه دليل على تأبيد الفرقة . قال في النيل : والأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد , وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه , فإن لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما . وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق , فذهب الجمهور إلى أنه فسخ , وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق انتهى . والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد قال مسدد قال شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا وتم حديث مسدد وقال الآخرون إنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين فقال الرجل كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها لم يقل بعضهم عليها
قال أبو داود لم يتابع ابن عيينة أحد على أنه فرق بين المتلاعنين حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد في هذا الحديث وكانت حاملا فأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله عز وجل لها
( قال مسدد )
: أي في روايته ( قال ) : أي سهل ( وتم حديث مسدد ) : أي إلى قوله حين تلاعنا ( وقال الآخرون ) : أي وهب بن بيان وأحمد بن عمرو وعمرو بن عثمان ( لم يقل عليها ) : أي لفظة عليها
( لم يتابع ابن عيينة ) : بالنصب مفعول لم يتابع , والمراد أن سفيان بن عيينة قد تفرد في حديث سهل بلفظة فرق بين المتلاعنين ولم يتابعه عليها أحد . قال المنذري : قال البيهقي ويعني بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد لا ما رويناه عن الزبيدي عن الزهري , يريد أن ابن عيينة لم ينفرد وقد تابعه عليها الزبيدي . وذكر البيهقي بعد هذا حديث ابن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان , والمراد من هذا أن الفرقة لم يقع بالطلاق ومعنى التفريق تبيينه صلى الله عليه وسلم الحكم لإيقاع الفراق بدليل قوله قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . ( وكانت ) : أي المرأة
( حاملا ) : حين وقع اللعان بينهما ( فأنكر حملها ) : أي أنكر الرجل الملاعن حمل المرأة منه . وفيه دليل على جواز الملاعنة بالحمل وإليه ذهب ابن أبي ليلى ومالك وأبو عبيد فإنهم قالوا من نفى حمل امرأته لاعن بينهما القاضي وألحق الولد بأمه . وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وأحمد في رواية لا يلاعن بالحمل , وأجابوا بأن اللعان كان بالقذف لا بالحمل قاله العيني ( فكان ابنها يدعى إليها ) : لا إلى زوجها الملاعن , إذ اللعان ينتفي به النسب عنه إن نفاه في لعانه , وإذا انتفى منه ألحق بها لأنه متحقق منها ( أن يرثها ) : أي يرث الولد الذي نفاه الرجل الملاعن من المرأة الملاعنة ( وترث منه ) : أي ترث المرأة من الولد . والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال إنا لليلة جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار في المسجد فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم به جلدتموه أو قتل قتلتموه فإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم به جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
هذه الآية فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة عليه إن كان من الكاذبين قال فذهبت لتلتعن فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مه فأبت ففعلت فلما أدبرا قال لعلها أن تجيء به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا
( جلدتموه )
: أي بحد القذف ( أو قتل قتلتموه ) : أي بالقصاص
( فقال اللهم افتح ) : أي احكم أو بين لنا الحكم في هذا , والفتاح الحاكم ومنه قوله تعالى { ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم } ( ثم لعن ) : أي الرجل ( الخامسة ) : أي في المرة الخامسة ( عليه ) : أي على نفسه ( قال فذهبت ) : أي المرأة
( لتلتعن ) : أي لتلاعن واللعان والالتعان بمعنى ( مه ) : كلمة زجر ( فأبت ) : أي عن أن تنزجر ( لعلها أن تجيء به )
: أي بالولد
( أسود جعدا ) : أي ليس سبط الشعر . قال الخطابي في معالم السنن : قوله لعلها أن تجيء به إلخ دليل على أن المرأة كانت حاملا وأن اللعان وقع على الحمل . وممن رأى اللعان على نفي الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح انتهى . قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه .
حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي أخبرنا هشام بن حسان حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك قال يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد فنزلت
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فقرأ حتى بلغ من الصادقين
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقالوا لها إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع فقالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن قال أبو داود وهذا مما تفرد به أهل المدينة حديث ابن بشار حديث هلال
( أن هلال بن أمية ) : بضم همز وفتح ميم وتشديد تحتية ( قذف امرأته ) : أي نسبها إلى الزنا ( بشريك بن سحماء ) : بفتح أوله
( البينة ) : بالنصب أي أحضر البينة ( أو حد ) : بالرفع أي أتحضر البيعة أو يقع حد ( في ظهرك )
: أي على ظهرك ( يلتمس البينة ) : جواب إذا بتقدير الاستفهام على سبيل الاستبعاد والالتماس الطلب . وفي رواية البخاري : ينطلق يلتمس البينة ( ولينزلن )
: بفتح اللام وضم التحتية وسكون النون وكسر الزاي المخففة وفي آخره نون مشددة القذف
( ما يبرئ ) : بتشديد الراء وتخفيفها أي ما يدفع ويمنع ( من الحد ) : أي من حد القذف { والذين يرمون أزواجهم } : أي يقذفون زوجاتهم ( قرأ ) : وفي بعض النسخ فقرأ أي ما بعده من الآيات ( فأرسل إليهما ) : أي إلى هلال بن أمية وامرأته ( فجاءا ) : بلفظ التثنية ( فشهد ) : أي لاعن ( الله يعلم ) : وفي رواية البخاري : إن الله يعلم ( أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ) ؟ قال عياض : ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان , فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذبه التوبة من ذلك . وقال الداودي : قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه والأول أظهر وأولى بسياق الكلام . قال الحافظ : والذي قاله الداودي أولى من جهة أخرى وهي مشروعية الموعظة قبل الوقوع في المعصية بل هو أحرى مما بعد الوقوع انتهى . قلت : وسياق هذا الحديث ظاهر فيما قال الداودي ( إنها موجبة ) : أي للعذاب الأليم إن كنت كاذبة ( فتلكأت ) : بتشديد الكاف أي توقفت يقال تلكأ في الأمر إذا تبطأ عنه وتوقف فيه ( ونكصت ) : أي رجعت وتأخرت , وفي القرآن { نكص على عقبيه } والمعنى أنها سكتت بعد الكلمة الرابعة ( أنها سترجع ) : أي عن مقالها في تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به ( سائر اليوم ) : أي في جميع الأيام وأبد الدهر أو فيما بقي من الأيام بالإعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج , وأريد باليوم الجنس ولذلك أجراه مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع ( فمضت ) : أي في الخامسة ( أبصروها )
: أي انظروا وتأملوا فيما تأتي به من ولدها ( أكحل العينين ) : أي الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال ( سابغ الأليتين ) : أي عظيمهما ( خدلج الساقين ) : أي سمينهما
( فهو ) : أي الولد ( لولا ما مضى من كتاب الله ) : من بيان لما , أي لولا ما سبق من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها ( لكان لي ولها شأن ) : أي في إقامة الحد عليها , أو المعنى لولا أن القرآن حكم بعدم الحد على المتلاعنين وعدم التعزير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين . فإن قلت : الحديث الأول من الباب يدل على أن عويمرا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه , وهذا الحديث يدل على أن هلالا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه , ويجاب بأن النووي قال اختلفوا في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر أم بسبب هلال وقال الأكثرون : إنما نزلت في هلال , وأما قوله عليه السلام لعويمر إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك فقالوا معناه الإشارة إلى ما نزل في قصة هلال , لأن ذلك حكم عام لجميع الناس , ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان انتهى . كذا في القسطلاني ( قال أبو داود وهذا ) : أي هذا الحديث الذي فيه قصة اللعان لهلال بن أمية ( تفرد به أهل المدينة ) : كعكرمة عن ابن عباس وهما من أهل المدينة , وما روى هذه القصة غير أهل المدينة ( حديث ابن بشار ) : بيان لهذا
( حديث هلال ) : بدل من حديث ابن بشار . قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه .
حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول إنها موجبة
( أن يضع ) : أي الرجل ( يده ) : الضمير للرجل ( على فيه )
: أي على فم الرجل الملاعن ( يقول ) : حال من ضمير يضع ( إنها ) : أي الشهادة الخامسة ( موجبة ) : أي لغضب الله وعقابه . قال المنذري : وأخرجه النسائي .
حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشيا فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه فنزلت
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم
الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال قد جعل الله عز وجل لك فرجا ومخرجا قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فجاءت فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت قد كذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل له يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مضر وما يدعى لأب
( أحد الثلاثة ) : هم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ( فلم يهجه )
: من هاج أي لم يزعج هلال ذلك الرجل ولم ينفره , ومعناه بالفارسية تنبيه وسرزنش نكرداورا ( الآيتين كلتيهما )
: أي قرأ الآيتين كلتيهما ( فسري ) : أي كشف الوحي ( قد جعل الله لك فرجا ) : بفتح الفاء والراء بالفارسية كشايش ( وذكرهما )
: من التذكير
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي لأصحابه
( فتلكأت ) : أي توقفت ( ولا ترمى )
: أي لا تقذف المرأة بالزنا ( ولا يرمى ولدها ) : أي لا يقال لولدها إنه ولد زنا ( ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ) : فيه دليل على أنه يجب الحد على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرجل الذي اتهمها به وكذلك يجب على من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج . والأصل عدم الوقوع في المحرم , ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف , والأعراض محمية عن الثلب - ثلب بالفتح عيب ثلاب جمع منتهى الأرب - ما لم يحصل اليقين ( وقضى أن لا بيت ) : أي لا مسكن ( لها ) : أي لامرأة هلال ( عليه ) : أي على هلال ( ولا قوت )
: أي ولا نفقة ( من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها ) : قال الخطابي : فيه أن اللعان فسخ وليس بطلاق , وأنه ليس للملاعنة على زوجها سكنى ولا نفقة , وإليه ذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن : اللعان تطليقة بائنة ولها السكنى والنفقة في العدة انتهى ( إن جاءت به ) : أي بالولد
( أصيهب ) : تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة ( أريصح ) : تصغير الأرصح وهو خفيف الأليتين أبدلت السين منه صادا , وقد يكون تصغير الأرسع أبدلت عينه حاء ( أثيبج ) : تصغير الأثبج وهو الناتئ الثبج وهو ما بين الكاهل ووسط الظهر قاله السيوطي . وفي المصباح : الثبج بفتحتين ما بين الكاهل إلى الظهر والأثبج على وزن أحمر الناتئ الثبج , وقيل العريض الثبج ويصغر على القياس فيقال أثيبج انتهى ( حمش الساقين )
: بمفتوحة فساكنة فمعجمة أي دقيق الساقين ( أورق ) : هو الأسمر ( جعدا ) : بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة . قال في القاموس الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه ( جماليا ) : قال في المجمع : هو بتشديد الياء الضخم الأعضاء التام الأوصال كأنه الجمل ( خدلج الساقين ) : بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين وعظيمهما ( سابغ الأليتين ) : أي تامهما وعظيمهما ( لولا الأيمان ) : أي الشهادات . واستدل به من قال : إن اللعان يمين , وإليه ذهب الشافعي والجمهور , وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول أنه شهادة , وفيه مذاهب أخر ذكرها الحافظ في فتح الباري ( فكان ) أي الولد ( أميرا على مضر ) : قبيلة . قال المنذري : في إسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد وكان قدريا داعية .
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمرو سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك
( حسابكما )
: أي محاسبتكما وتحقيق أمركما ومجازاته ( على الله أحدكما كاذب ) : أي في نفس الأمر ونحن نحكم بحسب الظاهر ( لا سبيل لك عليها ) : أي لا يجوز لك أن تكون معها بل حرمت عليك أبدا . واستدل به من قال بوقوع الفرقة بنفس اللعان من غير احتياج إلى تفريق الحاكم , وقد تقدم بعض الكلام فيه ( قال يا رسول الله مالي ) : هو فاعل فعل محذوف أي أيذهب مالي وأين يذهب مالي الذي أعطيتها مهرا ( قال لا مال لك ) : أي باق عندها ( فهو بما استحللت من فرجها ) : أي فمالك في مقابلة وطئك إياها . وفيه أن الملاعن لا يرجع بالمهر عليها إذا دخل عليهما , وعليه اتفاق العلماء , وأما إن لم يدخل بها فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لها نصف المهر وقيل لها الكل وقيل لا صداق لها ( فذلك ) : أي عود المهر إليك ( أبعد لك )
: لأنه إذا لم يعد إليك حالة الصدق فلأن لا يعود إليك حالة الكذب أولى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسمعيل حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عمر رجل قذف امرأته قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب يرددها ثلاث مرات فأبيا ففرق بينهما
( قلت لابن عمر رجل قذف امرأته ) : أي ما الحكم فيه ( قال ) : أي ابن عمر
( بين أخوي بني العجلان ) : يعني عويمرا وامرأته وهو من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ , وأما إطلاق الأخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان ( يرددها ) : أي كلمة : الله يعلم إلى تائب ( ففرق بينهما ) : استدل به من قال إن الفرقة لا تقع إلا بتفريق الحاكم . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه .
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة
قال أبو داود الذي تفرد به مالك قوله وألحق الولد بالمرأة و قال يونس عن الزهري عن سهل بن سعد في حديث اللعان وأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها
( أن رجلا )
: هو عويمر ( وانتفى من ولدها ) : أي أنكر الرجل انتساب الولد إليه ( وألحق الولد بالمرأة ) : أي في النسب والوراثة فيرث ولد الملاعنة منها وترث منه ولا وراثة بين الملاعن وبينه . وبه قال جمهور العلماء . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
( قال أبو داود الذي تفرد به إلخ ) : حاصله أن مالكا تفرد بهذه الزيادة أي بزيادة قوله وألحق الولد بالمرأة في حديث ابن عمر . وقد جاءت في حديث سهل بن سعد كما تقدم من رواية يونس عن الزهري بلفظ : ثم خرجت حاملا فكان الولد يدعى إلى أمه . ومن رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ : فكان يدعى يعني الولد لأمه ومن رواية فليح عن الزهري بلفظ وكانت حاملا فأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها . وقوله الذي تفرد به مالك مبتدأ وخبره قوله . وألحق الولد بالمرأة . وأما قوله قال يونس عن الزهري إلخ ففيه أن يونس لم يقل في روايته عن الزهري لفظه , وأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها , وإنما قالها فليح في روايته عن الزهري والله تعالى أعلم .
باب إذا شك في الولد
حدثنا ابن أبي خلف حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بني فزارة فقال إن امرأتي جاءت بولد أسود فقال هل لك من إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال فهل فيها من أورق قال إن فيها لورقا قال فأنى تراه قال عسى أن يكون نزعه عرق قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بإسناده ومعناه وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكره فذكر معناه
( بولد أسود ) : زاد في رواية للبخاري ومسلم وإني أنكرته أي لسواد الولد مخالفا للون أبويه وأراد نفيه عنه ( ما ألوانها ) : أي ما ألوان تلك الإبل ( حمر ) : بضم فسكون جمع أحمر ( من أورق )
: غير منصرف للوصف ووزن الفعل . قال في القاموس : ما في لونه بياض إلى سواد . وقال غيره : الذي فيه سواد ليس بحالك بأن يميل إلى الغبرة , ومنه قيل للحمامة : ورقاء ( إن فيها لورقا ) : بضم فسكون جمع أورق وعدل عنه إلى جمعه مبالغة في وجوده ( فأنى تراه ) : بضم التاء أي فمن أين تظن الورق ( عسى أن يكون نزعه عرق ) : بكسر أوله , والمراد بالعرق ها هنا الأصل من النسب , وأصل النزع الجذب , أي قلعه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه , وفي المثل : العرق نزاع , والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجرة يعني أن لونه إنما جاء لأنه في أصوله البعيدة ما كان في هذا اللون ( قال وهذا )
: أي الولد الأسود ( عسى أن يكون نزعه عرق ) : أي عسى أن يكون في أصولك أو في أصول امرأتك من يكون في لونه سواد فأشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه . قال النووي : في هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه , حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه , لحقه ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه , لاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وهذا الرجل هو ضمضم بن قتادة . ( وهو ) : أي الرجل الفزاري ( يعرض ) : بتشديد الراء من التعريض , وهو ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر , ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه ( بأن ينفيه ) : أي الولد . وفيه أن التعريض بنفي الولد ليس نفيا وأن التعريض بالقذف ليس قذفا . وهو مذهب الشافعي وموافقيه . كذا قال النووي . ( وإني أنكره ) : أي أستغربه بقلبي أن يكون مني لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه . قاله النووي .
باب التغليظ في الانتفاء
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو يعني ابن الحارث عن ابن الهاد عن عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعنين أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين
( أيما امرأة أدخلت على قوم ) : أي بالانتساب الباطل ( من ) : مفعول أدخلت ( ليس منهم )
: أي من ذلك القوم ( فليست ) : أي المرأة
( من الله ) : أي من دينه أو رحمته ( في شيء ) : أي شيء يعتد به ( ولن يدخلها الله جنته ) أي مع من يدخلها من المحسنين بل يؤخرها أو يعذبها ما شاء إلا أن تكون كافرة فيجب عليها الخلود كذا في المرقاة ( جحد ولده )
: أي أنكره ونفاه ( وهو ينظر إليه ) : أي الرجل ينظر إلى الولد وهو كناية عن العلم بأنه ولده , أو الولد ينظر إلى الرجل , ففيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وكثرة قساوة قلبه وغلظته
( احتجب الله تعالى منه ) : أي حجبه وأبعده من رحمته ( وفضحه ) : أي أخزاه ( على رءوس الأولين والآخرين ) : أي عندهم . قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه . وقال البخاري : عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري روى عنه يزيد بن الهاد يعرف بحديث واحد . وقال ابن أبي حاتم : عبد الله بن يونس يعرف بحديث واحد عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر هذا الحديث , روى عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد سمعت أبي يقول ذلك . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الأربعاء يونيو 16, 2010 12:01 am | |
| باب في ادعاء ولد الزنا
حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا معتمر عن سلم يعني ابن أبي الزياد حدثني بعض أصحابنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ولا يورث
( عن سلم يعني ابن أبي الذيال ) بفتح المعجمة والتحتانية الثقيلة . قال الحافظ : ثقة قليل الحديث ( لا مساعاة في الإسلام ) : قال في النهاية : المساعاة الزنا وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن . ساعت الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها مفاعلة من السعي كأن كلا منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه فأبطله الإسلام ولم يلحق النسب بها وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها ( من ساعى )
: أي زنى أمة الرجل وفجر بها على نهج المعروف ( في الجاهلية ) : فحصل به ولد ( فقد لحق ) : الولد المتولد من الزنا ( بعصبته ) : يشبه أن يكون المعنى أي بمولاه وسيده وهو مولى الأمة الفاجرة . قال في معالم السنن : إن أهل الجاهلية كانت لهم إماء يساعين وهن البغايا اللواتي ذكرهن الله تعالى في قوله عز وجل { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } إذا كان سادتهن يلمون بهن ولا يجتنبوهن , فإذا جاءت إحداهن بولد وكان سيدها يطؤها وقد وطئها غيره بالزنا فربما ادعاه الزاني وادعاه السيد , فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالولد لسيدها لأن الأمة فراش السيد كالحرة ونفاه عن الزاني انتهى ( ولدا من غير رشدة ) : يقال هذا ولد رشدة بالكسر والفتح , من كان بنكاح صحيح , وولد زنية من كان بضده . قال المنذري : في إسناده رجل مجهول .
حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا محمد بن راشد ح و حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن راشد وهو أشبع عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة حدثنا محمود بن خالد حدثنا أبي عن محمد بن راشد بإسناده ومعناه زاد وهو ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة وذلك فيما استلحق في أول الإسلام فما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى
( وهو أشبع )
: أي حديث الحسن أتم من حديث شيبان ( قضى ) : أي أراد أن يقضي ( أن كل مستلحق ) : هو بفتح الحاء الذي طلب الورثة أن يلحقوه بهم واستلحقه أي ادعاه ( استلحق ) : بصيغة المجهول صفة لقوله مستلحق ( بعد أبيه ) أي بعد موت أبي المستلحق ( الذي يدعى ) : بالتخفيف أي المستلحق ( له ) : أي لأبيه يعني ينسبه إليه الناس بعد موت سيد تلك الأمة ولم ينكر أبوه حتى مات ( ادعاه ورثته ) : هذه الجملة خبر إن وقيل إنها صفة ثانية لمستلحق وخبر إن محذوف أي من كان دل عليه ما بعده ( فقضى ) : الفاء تفصيلية أي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي فقضى كما في قوله تعالى { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } ( أن كل من كان من أمة ) : أي كل ولد حصل من جارية ( يملكها ) : أي سيدها ( يوم أصابها ) : أي في وقت جامعها ( فقد لحق بمن استلحقه ) : يعني إن لم ينكر نسبه منه في حياته وهو معنى قوله ( وليس له )
: أي للولد ( مما قسم ) : بصيغة المجهول أي في الجاهلية بين ورثته ( قبله ) : أي قبل الاستلحاق ( من الميراث شيء ) : لأن ذلك الميراث وقعت قسمته في الجاهلية والإسلام يعفو عما وقع في الجاهلية ( وما أدرك ) : أي الولد ( من ميراث لم يقسم فله نصيبه ) : أي فللولد حصته ( ولا يلحق )
: قال القاري في المرقاة بفتح أوله وفي نسخة بضمه أي لا يلحق الولد ( إذا كان أبوه الذي يدعى له ) : أي ينتسب إليه ( أنكره ) : أي أبوه لأن الولد انتفى عنه بإنكاره وهذا إنما يكون إذا ادعى الاستبراء بأن يقول مضى عليها حيض بعدما أصابها وما وطئ بعد مضي الحيض حتى ولدت وحلف على الاستبراء فحينئذ ينتفي عنه الولد ( وإن كان )
: أي الولد ( عاهر بها )
: أي زنى بها ( فإنه ) : أي الولد ( لا يلحق )
: بصيغة المعلوم أو المجهول ( ولا يرث )
: أي ولا يأخذ الإرث ( وإن كان الذي يدعى له ) : وصلية تأكيد ومبالغة لما قبله ( هو ادعاه )
: بتشديد الدال أي انتسبه ( فهو ولد زنية ) : بكسر فسكون
( من حرة كان ) : أي الولد ( أو أمة ) : أي من جارية . قال الخطابي : هذه أحكام قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام ومبادئ الشرع وهي أن الرجل إذا مات واستلحق له ورثته ولدا فإن كان الرجل الذي يدعى الولد له ورثته قد أنكر أنه منه لم يلحق به ولم يرث منه وإن لم يكن أنكره فإن كان من أمته لحقه وورث منه ما لم يقسم بعد من ماله ولم يرث ما قسم قبل الاستلحاق وإن كان من أمة غيره كابن وليدة زمعة أو من حرة زنى بها لا يلحق به ولا يرث بل لو استلحقه الواطئ لم يلحق به فإن الزنا لا يثبت النسب . قال النووي : معناه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان لحقه وصار ولدا له يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء كان موافقا له في الشبه أو مخالفا له . نقله السيوطي رحمه الله كذا في المرقاة . قال المنذري : قد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب وروى عن عمرو هذا الحديث محمد بن راشد بن المكحول وفيه مقال .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : قال بعضهم : هذه أحكام وقعت في أول زمن الشريعة - إلى أن قال - ثم ذكر الاستلحاق - قال الشيخ شمس الدين : وليس كما قال , فإن هذا القضاء إنما وقع بالمدينة المنورة بعد قيام الإسلام ومصيرها دار هجرة . وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على صور : الصورة الأولى : أن يكون الولد من أمته التي في ملكه وقت الإصابة , فإذا استلحقه لحق به من حين استلحقه , وما قسم من ميراثه قبل استلحاقه لم ينقض , ويورث من المستلحق , وما كان بعد استلحاقه من ميراث لم يقسم ورث منه نصيبه , فإنه إنما تثبت بنوته من حين استلحقه , فلا تنعطف على ما تقدم من قسمة المواريث , وإن أنكره لم يلحق به , وسماه أباه على كونه يدعى له ويقال إنه منه , لا أنه أبوه في حكم الشرع , إذ لو كان حكما لم يقبل إنكاره له ولحق به . الصورة الثانية : أن يكون الولد من أمة لم تكن في ملكه وقت الإصابة , فهذا ولد زنا لا يلحق به ولا يرثه , بل نسبه منقطع منه . وكذلك إذا كان من حرة قد زنى بها , فالولد غير لاحق به ولا يرث منه وإن كان هذا الزاني الذي يدعى الولد له , يعني أنه منه قد ادعاه لم تفد دعواه شيئا , بل الولد ولد زنا , وهو لأهل أمه , إن كانت أمة فمملوكة لمالكها , وإن كانت حرة فنسبه إلى أمه وأهلها , دون هذا الزاني الذي هو منه . وقوله في أول الحديث " استلحق بعد أبيه الذي يدعى له " ادعاه ورثة الأب ها هنا , هو الزاني الذي منه الولد وسماه أبا تسمية مقيدة بكون الولد منه , ولهذا قال " الذي يدعى له " يعني يقال : إنه منه ويدعى له في الجاهلية أنه أبوه فإذا ادعاه ورثة هذا الزاني فالحكم ما ذكر . ونظير هذا القضاء : قصة سعد بن أبي وقاص , وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة , فإن ورثة عتبة وهو سعد , ادعى الولد أنه من أخيه , وادعى عبد أنه أخوه , ولد على فراش أبيه , فألحقه النبي بمالك الأمة , دون عتبة . وهو تفسير قوله " وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث , وسيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى . وقد يتمسك به من يقول : الأمة لا تكون فراشا , وإنما يلحق الولد للسيد بالدعوى , لا بالفراش , كقول أبي حنيفة , لقوله " من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه " فإنما جعله لاحقا به بالاستلحاق , لا بالإصابة , ولكن قصة عبد بن زمعة أصح من هذا وأصرح , في كون الأمة تصير فراشا , كما تكون الحرة , يلحق الولد بسيدها بحكم الفراش , كما يلحق بالحرة كما سيأتي . وليس في حديث عمرو بن شعيب أنه لا يلحق ولده من أمته إلا بالاستلحاق , وإنما فيه أنه عند تنازع سيدها والزاني في ولدها , يلحق بسيدها الذي استلحقه دون الزاني , وهذا مما لا نزاع فيه , فالحديثان متفقان . والله أعلم .
باب في القافة
جمع قائف هو من يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه , قاله في المجمع .
حدثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة المعنى وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مسدد وابن السرح يوما مسرورا وقال عثمان تعرف أسارير وجهه فقال أي عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي رأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض قال أبو داود كان أسامة أسود وكان زيد أبيض حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب بإسناده ومعناه قال قالت دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه قال أبو داود وأسارير وجهه لم يحفظه ابن عيينة قال أبو داود أسارير وجهه هو تدليس من ابن عيينة لم يسمعه من الزهري إنما سمع الأسارير من غيره قال والأسارير في حديث الليث وغيره قال أبو داود وسمعت أحمد بن صالح يقول كان أسامة أسود شديد السواد مثل القار وكان زيد أبيض مثل القطن
( قال مسدد وابن السرح ) : أي في روايتهما بعد قوله دخل علي ( يوما مسرورا ) : يوما ظرف لدخل ومسرورا حال من ضمير دخل ( وقال عثمان ) : أي في روايته ( تعرف أسارير وجهه ) : جملة حالية وتعرف بصيغة المجهول والأسارير هي الخطوط التي في الجبهة واحدها سر وسرر وجمعه أسرار وجمع الجمع أسارير ( أي عائشة ) : أي يا عائشة فأي نداء للقريب ( ألم تري )
: بحذف النون أي ألم تعلمي ( أن مجززا )
: بكسر الزاي الأولى مشددة بضم الجيم ( المدلجي )
: نسبة إلى مدلج بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام , وكان القيافة فيهم وفي بني أسد يعترف لهم العرب ( رأى زيدا ) : أي ابن حارثة ( وأسامة ) : أي ابن زيد متبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قد غطيا )
: أي سترا ( بقطيفة ) : أي كساء غليظ ( وبدت ) : أي ظهرت ( كان أسامة أسود ) : كانت أمه حبشية سوداء , اسمها بركة وكنيتها أم أيمن . قال الخطابي : في هذا الحديث دليل على ثبوت أمر القافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد , وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده , وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة , وكان زيد أبيض وأسامة أسود , فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعه , فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسري عنه . وممن أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس , وبه قال عطاء وإليه ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل , وهو قول عامة أصحاب الحديث . وقال أصحاب الرأي في الولد المشكل يدعيه اثنان يقضى به لهما وأبطل الحكم بالقافة انتهى . ( بإسناده ومعناه ) : أي بإسناد الحديث المذكور ومعناه ( قال ) : أي الليث في روايته ( تبرق ) : بفتح التاء وضم الراء أي تضيء وتستنير من السرور والفرح . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من اليمن فقال إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد فقال لاثنين منهما طيبا بالولد لهذا فغليا ثم قال لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا ثم قال لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا فقال أنتم شركاء متشاكسون إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه
( عن الأجلح ) : بتقديم الجيم على الحاء ( يختصمون إليه في ولد ) : جملة حالية
( لاثنين ) : قد وقع في بعض النسخ بعد قوله لاثنين لفظ منهما ولا يظهر له وجه ( طيبا بالولد ) : من طابت نفسه بالشيء . إذا سمحت به من غير كراهة ولا غضب
( لهذا ) : أي الثالث
( فغليا ) : بالتحتانية من غلت القدر أي صاحا وفي بعض النسخ غلبا بالموحدة ( متشاكسون )
: أي متنازعون ( فمن قرع )
: أي فمن خرج القرعة باسمه ( وعليه ) : أي على من خرج باسمه القرعة ( ثلثا الدية ) : أي ثلثا القيمة , والمراد قيمة الأم فإنها انتقلت إليه من يوم وقع عليها بالقيمة . كذا في فتح الودود . وروى الحديث الحميدي في مسنده وقال فيه : فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه ( حتى بدت ) : أي ظهرت ( أضراسه ) : الأضراس الأسنان سوى الثنايا الأربعة ( أو ) : للشك ( نواجذه ) : هي من الأسنان الضواحك التي تبدو عند الضحك والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان , والمراد الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه , فورد كل ضحكه التبسم , وإن أريد بها الأواخر لاشتهارها بها فوجهه أن يراد مبالغة مثله في ضحكه من غير أن يراد ظهور نواجذه . كذا في المجمع . قال المنذري : في هذا الحديث دليل على أن الولد لا يلحق بأكثر من أب واحد , وفيه إثبات القرعة في أمر وإحقاق القارع . وللقرعة مواضع غير هذا في العتق وتساوي البينتين في الشيء يتداعاه اثنان فصاعدا , وفي الخروج بالنساء في الأسفار , وفي قسم المواريث وإفراز الحصص بها , وقد قال بجميع وجوهها نفر من العلماء ومنهم من قال بها في بعض هذه المواضع , ولم يقل بها في بعض . وممن قال بظاهر حديث زيد بن أرقم إسحاق بن راهويه وقال : هو السنة في دعوى الولد , وكان الشافعي يقول به في القديم . وقيل لأحمد في حديث زيد هذا فقال حديث القافة أحب إلي . وقد تكلم بعضهم في إسناد حديث زيد بن أرقم وقد قيل فيه إنه منسوخ . انتهى . وقال في النيل : واعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة , وحديث العمل بالقرعة لأن كل واحد منهما دل على أن ما استعمل عليه طريق شرعي فأيما حصل وقع به الإلحاق , فإن حصلا معا فمع الاتفاق لا إشكال ومن الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده . قال المنذري : وأخرجه النسائي , وفي إسناده الأجلح واسمه يحيى بن عبد الله الكندي ولا يحتج بحديثه .
حدثنا خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم قال أتي علي رضي الله عنه بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا حتى سألهم جميعا فجعل كلما سأل اثنين قالا لا فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة وجعل عليه ثلثي الدية قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سلمة سمع الشعبي عن الخليل أو ابن الخليل قال أتي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في امرأة ولدت من ثلاثة نحوه لم يذكر اليمن ولا النبي صلى الله عليه وسلم ولا قوله طيبا بالولد
( حدثنا خشيش ) : بمعجمات مصغرا ( بثلاثة ) : أي بثلاثة رجال ( وهو ) : أي علي رضي الله عنه ( أتقران ) : بصيغة التثنية ( لهذا ) : أي لهذا الثالث ( بالذي صارت عليه القرعة ) : أي بالذي خرجت باسمه القرعة . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه . ورواه بعضهم مرسلا . وقال النسائي : هذا صواب , وقال الخطابي : وقد تكلم بعضهم في إسناد حديث زيد بن أرقم . هذا آخر كلامه . ويشبه أن يكون المراد بذلك الحديث المتقدم , فأما حديث عبد خير فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال . ( عن الخليل أو ابن الخليل ) : هو عبد الله بن الخليل أو ابن أبي الخليل الحضرمي أبو الخليل الكوفي مقبول من الثانية . وفرق البخاري وابن حبان بين الراوي عن علي فقال فيه ابن أبي الخليل , والراوي عن زيد بن أرقم فقال فيه ابن الخليل , كذا في التقريب .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقال أبو محمد بن حزم : هذا الحديث إسناده صحيح , كلهم ثقات , قال : فإن قيل . إنه خبر قد اضطرب فيه , فأرسله شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن مجهول , ورواه أبو إسحاق الشيباني عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم ؟ قلنا : قد وصله سفيان , وليس هو بدون شعبة , عن صالح بن حي , وهو ثقة , عن عبد خير , وهو ثقة , عن زيد بن أرقم . هذا آخر كلامه . وهذا الحديث قد اشتمل على أمرين : أحدهما : إلحاق المتنازع فيه بالقرعة , وهو مذهب إسحاق بن راهويه , قال : هو السنة في دعوى الولد , وكان الشافعي يقول به في القديم . وذهب أحمد ومالك إلى تقديم حديث القافة عليه , فقيل لأحمد في حديث زيد هذا ؟ فقال : حديث القافة أحب إلي . ولم يقل أبو حنيفة بواحد من الحديثين , لا بالقرعة ولا بالقافة . الأمر الثاني : جعله ثلثي الدية على من وقعت له القرعة , وهذا مما أشكل على الناس , ولم يعرف له وجه . وسألت عنه شيخنا ؟ فقال : له وجه , ولم يزد . ولكن قد رواه الحميدي في مسنده بلفظ آخر , يدفع الإشكال جملة قال : " وأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه " وهذا لأن الولد لما لحق به صارت أم ولد , وله فيها ثلثها , فغرمه قيمة ثلثيها اللذين أفسدهما على الشريكين بالاستيلاد , فلعل هذا هو المحفوظ , وذكر ثلثي دية الولد وهم , أو يكون عبر عن قيمة الجارية بالدية , لأنها هي التي يؤدي بها , فلا يكون بينهما تناقض . والله أعلم .
باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد حدثني يونس بن يزيد قال قال محمد بن مسلم بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء فكان منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات يكن علما لمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم
( محمد بن مسلم بن شهاب ) : هو الزهري ( أن النكاح كان في الجاهلية ) : أي في زمن الجاهلية ( على أربعة أنحاء ) : بالحاء المهملة جمع نحو بمعنى النوع أي على أربعة أنواع ( فنكاح منها ) : وهو الأول
( يخطب ) : الخطبة بضم الخاء وكسرها باختلاف معنيين , فيقال في الموعظة خطب القوم وعليهم من باب قتل خطبة بالضم وخطب المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم واختطبها والاسم الخطبة بالكسر كذا في المصباح ( وليته ) : كابنة أخيه ( فيصدقها )
: بضم أوله أي يعين صداقها ويسمي مقداره ( ثم ينكحها ) : أي يعقد عليها ( ونكاح آخر ) : وهو الثاني
( إذا طهرت )
: بفتح الطاء المهملة وضم الهاء ( من طمثها )
: بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة وكان السر في ذلك أن يسرع علوقها منه ( أرسلي إلى فلان ) : أي رجل من أشرافهم ( فاستبضعي )
: بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهي الجماع لتحملي منه ( أصابها زوجها ) : أي جامعها
( وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ) : أي اكتسابا من ماء الفحل لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك ( ونكاح آخر ) : وهو الثالث ( يجتمع الرهط ) : أي الجماعة
( كلهم يصيبها ) : أي يطؤها , والظاهر أن ذلك إنما يكون عن رضى منها وتواطؤ بينهم وبينها ( وقد ولدت )
: بضم التاء لأنه كلامها ( وهو ابنك يا فلان ) : أي إن كان ذكرا فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك , لكن يحتمل أن يكون لا تفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت , وقد كان منهم من يقتل بنته التي يتحقق أنها بنت فضلا عمن تجيء بهذه الصفة كذا في الفتح
( فتسمي ) : أي المرأة
( فيلحق به )
: أي بالرجل الذي تسميه ( وهن البغايا ) : جمع بغية وهي الزانية ( كن ينصبن ) : بكسر الصاد أي يرفعن ( تكن علما )
: بفتح اللام أي علامة ( جمعوا لها ) : ضبطه القسطلاني بضم الجيم وكسر الميم وقال أي جمعوا لها الناس ( القافة ) : بالقاف وتخفيف الفاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية ( فالتاطه ) : أي التصق به . وأصل اللوط بفتح اللام اللصوق ( كله ) : دخل فيه ما ذكرت وما استدرك عليها ( إلا نكاح أهل الإسلام اليوم ) : أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل فيزوجه كما سبق . قال المنذري : وأخرجه البخاري .
باب الولد للفراش
حدثنا سعيد بن منصور ومسدد قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابنه وقال عبد بن زمعة أخي ابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبها بينا بعتبة فقال الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي عنه يا سودة زاد مسدد في حديثه وقال هو أخوك يا عبد
( اختصم سعد بن أبي وقاص ) : هو أحد العشرة المبشرة ( وعبد بن زمعة ) : بفتح الزاي والميم وقد تسكن الميم ( في ابن أمة زمعة ) : بالإضافة أي ابن أمته وهي جارية زانية كانت في الجاهلية لزمته ( أخي عتبة )
: بضم أوله وسكون فوقية ابن أبي وقاص وهو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومات كافرا ( فأقبضه ) : بكسر الموحدة أي أمسكه ( فإنه ابنه ) : أي فإن ابن أمة زمعة ابن أخي عتبة ( الولد للفراش ) : قال في النيل : اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش . وقيل إنه اسم للزوج , روي ذلك عن أبي حنيفة وفي القاموس أن الفراش زوجة الرجل انتهى مختصرا . قال النووي : معنى قوله الولد للفراش أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة , سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا , ومدة إمكان كونه منه ست أشهر من حين أمكن اجتماعهما . وأما ما تصير به المرأة فراشا فإن كانت زوجة صارت فراشا بمجرد عقد النكاح ونقلوا في هذا الإجماع وشرطوا إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش , فإن لم يكن بأن نكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه . هذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة إلا أبا حنيفة فلم يشترط الإمكان بل اكتفى بمجرد العقد , قال حتى لو طلق عقب العقد من غير إمكان وطء فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد . وهذا ضعيف ظاهر الفساد ولا حجة له في إطلاق الحديث لأنه خرج على الغالب وهو حصول الإمكان عند العقد . هذا حكم الزوجة , وأما الأمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشا بالوطء ولا تصير فراشا بمجرد الملك حتى لو بقيت في ملكه سنين وأتت بأولاد ولم يطأها ولم يقر بوطئها لا يلحقه أحد منهم , فإذا وطئها صارت فراشا , فإذا أتت بعد الوطء بولد أو أولاد لمدة الإمكان لحقوه . وقال أبو حنيفة : لا تصير فراشا إلا إذا ولدت ولدا واستلحقه فما تأتي به بعد ذلك يلحقه إلا أن نفيه انتهى ( وللعاهر الحجر ) : العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت , والعهر الزنا أي وللزاني الخيبة ولا حق له في الولد . وعادة العرب أن تقول له الحجر وبفيه الأثلب وهو التراب ونحو ذلك يريدون ليس له إلا الخيبة . وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة , ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه . والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه ( واحتجبي منه ) : أي من ابن أمة زمعة ( يا سودة ) : هي بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم . قال النووي . أمرها به ندبا واحتياطا لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكن لما رأى الشبه البين بعتبة خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطا . قال المازري وزعم بعض الحنفية أنه إنما أمرها بالاحتجاب لأنه جاء في رواية : احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك , وقوله ليس بأخ لك لا يعرف في هذا الحديث بل هي زيادة باطلة مردودة والله أعلم انتهى ( فقال هو أخوك يا عبد ) : وكذا وقع في رواية للبخاري , ووقع في أخرى له ولغيره بلفظ هو لك يا عبد بن زمعة واللام في قوله لك للاختصاص لا للتمليك كما قيل . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أشكل هذا الحديث على كثير من الناس , من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سودة بالاحتجاب منه , وقد ألحقه بزمعة فهو أخوها , ولهذا قال " الولد للفراش " , قالوا : فكيف يكون أخاها في الحكم وتؤمر بالاحتجاب منه ؟ فقال بعضهم : هذا على سبيل الورع لأجل الشبه الذي رآه بعينه وقال بعضهم : إنما جعله عبدا لزمعة , قال : والرواية " هو لك عبد " فإنما جعله عبدا لعبد بن زمعة لكونه رأى شبهه بعتبة , فيكون منه غير لاحق منهما فيكون عبدا لعبد ابن زمعة , إذ هو ولد زنا من جارية زمعة وهذا تصحيف منه وغلط في الرواية والمعنى , فإن الرواية الصحيحة " هو لك يا عبد بن زمعة " ولو صححت رواية " هو لك عبد " فإنما هي على إسقاط حرف النداء , كقوله تعالى { يوسف أعرض عن هذا } ولا يتصور أن يجعله عبدا له وقد أخبره أنه ولد على فراش أبيه , ويحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الولد للفراش . وهذه الزيادة التي ذكرها أبو داود وهي قوله " هو أخوك يا عبد " ترفع الإشكال ورجال إسنادها ثقات . ولو لم تأت فالحديث إنما يدل على إلحاقه بعبد أخا له . وأما أمره سودة وهي أخته بالاحتجاب منه فهذا يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة . وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره ومن نبا فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية ؟ وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية . وبالجملة : فهذا من أسرار الفقه , ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام , وترتيب مقتضى , كل وصف عليه . ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها . ونظير هذا : ما لو أقام شاهدا واحدا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيح ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقا فهذا سارق من وجه دون وجه ونظائره كثيرة . فإن قيل : فكيف تصنعون في الرواية التي جاءت في هذا الحديث " واحتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ " ؟ قيل : هذه الزيادة لا نعلم ثبوتها ولا صحتها ولا يعارض بها ما قد علمت صحته ولو صحت لكان وجهها ما ذكرناه : أنه ليس لها بأخ في الخلوة والنظر وتكون مفسرة لقوله , " واحتجبي منه , والله أعلم .
وهذا الولد الذي وقع فيه الاختصام هو عبد الرحمن بن زمعة مذكور في كتاب الصحابة .
وهو حجة على من يقول : إن الأمة لا تكون فراشا ويحمل قوله : " الولد للفراش " على الحرة , فإن سبب الحديث في الأمة فلا يتطرق إليه تخصيص لأن محل السبب فيه كالنص وما عداه في حكم الظاهر . والله أعلم .
حدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال يا رسول الله إن فلانا ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر
( ابني ) : خبر إن ( عاهرت ) : أي زنيت , وهذه الجملة مستأنفة لإثبات الدعوة ( لا دعوة ) : بكسر الدال أي لا دعوى نسب . قال في النهاية الدعوة بالكسر في النسب وهو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته وقد كانوا يفعلونه فنهي عنه وجعل الولد للفراش ( الولد للفراش إلخ ) : تقدم معناه . قال المنذري : وقد تقدم الكلام في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب .
حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رباح قال زوجني أهلي أمة لهم رومية فوقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي فسميته عبد الله ثم وقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي فسميته عبيد الله ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له يوحنه فراطنها بلسانه فولدت غلاما كأنه وزغة من الوزغات فقلت لها ما هذا فقالت هذا ليوحنه فرفعنا إلى عثمان أحسبه قال مهدي قال فسألهما فاعترفا فقال لهما أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش وأحسبه قال فجلدها وجلده وكانا مملوكين
( عن رباح )
: قال في الخلاصة : رباح الكوفي عن عثمان وعنه الحسن بن سعد مجهول , وقال في هامشه : وذكره ابن حبان في الثقات ( رومية ) : بالنصب صفة أمه ( ثم طبن لها ) : بفتح الباء أي أفسدها وبكسرها من الطبانة معنى الفطنة أي هجم على باطنها وهي وافقته على المراودة . كذا في فتح الودود . وقال في المجمع : أصل الطبانة الفطنة طبن لكذا أي هجم على باطنها وخبر أمرها وإنها ممن تواتيه على المراودة . هذا إن روي بكسر الباء وعلى فتحها بمعنى خيبها وأفسدها انتهى ( رومي ) : بالرفع صفة غلام ( يوحنة ) : بضم المثناة من تحت وسكون واو وفتح مهملة وتشديد نون ( فراطنها )
: أي كلمها كلاما لا يفهمه غيرها ( كأنه وزغة ) : بفتحات وهي ما يقال له سام أبرص ( أحسبه ) : قائله موسى بن إسماعيل شيخ أبى داود ( قال مهدي )
: أي ابن ميمون في روايته ( فسألهما ) : أي فسأل عثمان العبد الرومي والأمة الرومية ( وأحسبه قال ) : أي مهدي ( فجلدها ) : أي الأمة ( وجلده ) : أي العبد .
والحديث سكت عنه المنذري .
باب من أحق بالولد
حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن أبي عمرو يعني الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي
( كان بطني له وعاء ) : بكسر أوله أي ظرفا حال حمله ( وثديي له سقاء ) : بكسر أوله أي حال رضاعه ( وحجري ) : قال في القاموس : الحجر مثلث المنع وحضن الإنسان ( حواء ) : بالكسر أي مكانا يحويه ويحفظه ويحرسه , ومراد الأم بذلك أنها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب ( أن ينتزعه ) : أي يأخذه ( أنت أحق به ) : أي بولدك ( ما لم تنكحي ) : بفتح حرف المضارعة وكسر الكاف أي ما لم تتزوجي . قال في النيل : في الحديث دليل على أن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح لتقييده صلى الله عليه وسلم للأحقية بقوله ما لم تنكحي , وبه قال مالك والشافعية والحنفية . وقد حكى ابن المنذر الإجماع عليه وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حق حضانتها . وقال الشافعي يبطل مطلقا لأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر انتهى ملخصا .
والحديث سكت عنه المنذري .
حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم عن ابن جريج أخبرني زياد عن هلال بن أسامة أن أبا ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق قال بينما أنا جالس مع أبي هريرة جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه وقد طلقها زوجها فقالت يا أبا هريرة ورطنت له بالفارسية زوجي يريد أن يذهب بابني فقال أبو هريرة استهما عليه ورطن لها بذلك فجاء زوجها فقال من يحاقني في ولدي فقال أبو هريرة اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به
( أن أبا ميمونة سلمى ) : قال في التقريب : أو ميمونة الفارسي المدني الأبار قيل اسمه سليم أو سليمان أو سلمى وقيل أسامة ثقة من الثالثة , ومنهم من فرق بين الفارسي والأبار وكل منهما مدني يروي عن أبي هريرة والله أعلم انتهى ( فادعياه )
: أي فادعى كل منهما الابن ( رطنت له بالفارسية ) : في النهاية الرطانة بفتح الراء وكسرها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة , والعرب تخص بالرطانة غالب كلام العجم , وفي الصحاح : رطنت له إذا كلمته بالعجمية , فالمعنى تكلمت بالفارسية ( استهما عليه ) : أي على الابن , والمعنى اقترعي أنت وأبوه , ففيه تغليب الحاضر على الغائب ( ورطن ) : أبو هريرة ( لها ) : أي للمرأة
( من يحاقني ) : بالحاء المهملة والقاف المشددة أي من ينازعني ( إني لا أقول هذا ) : أي هذا القول أو هذا الحكم ( إلا أني )
: بفتح الهمزة أي لأني ( من بئر أبي عنبة ) : بعين مهملة مكسورة فنون مفتوحة فموحدة أظهرت حاجتها إلى الولد , ولعل محمل الحديث بعد مدة الحضانة مع ظهور حاجة الأم إلى الولد واستغناء الأب عنه مع إرادته إصلاح الولد . قاله السندي ( استهما عليه ) : أي على الابن . قال في النيل : فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين وأنه يجوز الرجوع إليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير وقد قيل إنه يقدم التخيير عليها , وليس في حديث أبي هريرة هذا ما يدل على ذلك بل ربما دل على عكسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهما أولا بالاستهام ثم لما لم يفعلا خير الولد وقد قيل إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الأحاديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به انتهى ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) : أي للولد ( فخذ بيد أيهما شئت ) : قال الخطابي في المعالم : هذا في الغلام الذي قد عقل واستغنى عن الحضانة , وإذا كان كذلك خير بين والديه . وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي إذا صار ابن سبع سنين أو ثماني سنين خير , وبه قال إسحاق . وقال أحمد : يخير إذا كبر , وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري : الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحده , وبالجارية حتى تحيض , ثم الأب أحق الوالدين . وقال مالك : الأم أحق بالجواري وإن حضن حتى ينكحن , وأما الغلمان فهو أحق بهم حتى يحتلموا . قال الخطابي : يشبه أن يكون من ترك التخيير وصار إلى أن الأب أحق بالولد إذا استغنى عن الحضانة إنما ذهب إلى أن الأم إنما حظها الحضانة لأنها أرفق بذلك وأحسن تأتيا له , فإذا جاوز الولد حد الحضانة فإنه يحتاج إلى الأدب والمعاش , والأب أبصر بأسبابهما وأوفى له من الأم , ولو ترك الصبي واختياره لمال إلى البطالة واللعب قال وإن صح الحديث فلا مذهب عنه انتهى قال المنذري . وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وذكر أن أبا ميمونة اسمه سليم وقال غيره اسمه سلمان , ووقع في أصل سماعنا سلمى كما ذكرنا .
حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن نافع بن عجير عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة فقال جعفر أنا آخذها أنا أحق بها ابنة عمي وعندي خالتها وإنما الخالة أم فقال علي أنا أحق بها ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها فقال زيد أنا أحق بها أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا قال وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بهذا الخبر وليس بتمامه قال وقضى بها لجعفر وقال إن خالتها عنده حدثنا عباد بن موسى أن إسمعيل بن جعفر حدثهم عن إسرائيل عن أبي إسحق عن هانئ وهبيرة عن علي قال لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال دونك بنت عمك فحملتها فقص الخبر قال وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم
( عن هانئ وهبيرة عن علي ) : وفي بعض النسخ عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن علي . قلت : هانئ بن هانئ الكوفي قال ابن المديني : مجهول وقال النسائي : لا بأس به . وهبيرة بن يريم الكوفي قال أحمد : لا بأس به , ووثقه ابن حبان . وقال النسائي : ليس بالقوي ( تنادي يا عم يا عم ) : مكررا للتأكيد وأصله يا عمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة ( وقال ) : أي لفاطمة
( دونك ) : بكسر الكاف أي خذي ( بنت عمك )
: بالنصب على المفعولية ( فحملتها ) : أي فحملت فاطمة بنت حمزة ( وقال جعفر ابنة عمي ) : أي هي ابنة عمي . والحديث سكت عنه المنذري . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الأربعاء يونيو 16, 2010 12:02 am | |
| باب في عدة المطلقة
حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني حدثنا يحيى بن صالح حدثنا إسمعيل بن عياش حدثني عمرو بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أنها طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات
( فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق ) : والمنزل قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ( فكانت ) : أي أسماء بنت يزيد ( أول من أنزلت فيها ) بالنصب خبر كانت . قال المنذري : في إسناده إسماعيل بن عياش وقد تكلم فيه غير واحد انتهى .
باب في نسخ ما استثنى به من عدة المطلقات
حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء
وقال
واللاتي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر
فنسخ من ذلك وقال
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها
{ والمطلقات يتربصن } : أي ينتظرن
{ من المحيض } : أي الحيض { إن ارتبتم } : أي شككتم في عدتهن ( فنسخ من ذلك ) : أي الكلام الثاني نسخ من الكلام الأول بعض صور المطلقات وهي صورة الإياس وأوجب فيها ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء ( وقال { وإن طلقتموهن } إلخ ) : أي قال ناسخا من الأول بعض الصور أيضا وهي ما إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا عدة هناك أصلا . قال المنذري : وأخرجه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وهو ضعيف .
باب في المراجعة
حدثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها
( طلق حفصة )
: هي بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين. قال الشيخ الدهلوي في المدارج : إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة واحدة فلما بلغ هذا الخبر عمر رضي الله عنه فاهتم له فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة . كذا في إنجاح الحاجة . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه .
باب في نفقة المبتوتة
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال إن تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك وإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله تعالى فيه خيرا كثيرا واغتبطت به حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس حدثته أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا وساق الحديث فيه وأن خالد بن الوليد ونفرا من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثا وإنه ترك لها نفقة يسيرة فقال لا نفقة لها وساق الحديث وحديث مالك أتم حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثتني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثا وساق الحديث وخبر خالد بن الوليد قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليست لها نفقة ولا مسكن قال فيه وأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تسبقيني بنفسك حدثنا قتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس قالت كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني البتة ثم ساق نحو حديث مالك قال فيه ولا تفوتيني بنفسك قال أبو داود وكذلك رواه الشعبي والبهي وعطاء عن عبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن أبي الجهم كلهم عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا
( طلقها البتة ) : وفي بعض الروايات الآتية أنه طلقها ثلاثا , وفي بعضها طلقها آخر ثلاث تطليقات , وفي بعضها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها . والجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة , فمن روى أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات أو طلقها طلقة كانت بقيت لها فهو ظاهر , ومن روى البتة فمراده طلقها طلاقا صارت به مبتوتة بالثلاث , ومن روى ثلاثا أراد تمام الثلاث . كذا أفاد النووي ( وهو ) : أي أبو عمرو ( فأرسل إليها وكيله بشعير ) : أي للنفقة ( فتسخطته )
: من باب التفعل أي استقلته , يقال سخط عطاءه أي استقله , ولم يرض به . وفي رواية مسلم فسخطته . قال القاري : ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال , والضمير يرجع إلى الوكيل أي غضبت على الوكيل بإرساله الشعير قليلا أو كثيرا ( والله ما لك علينا من شيء ) : أي لأنك بائنة أو من شيء غير الشعير ( ليس لك عليه نفقة ) : أي ولا سكنى كما في بعض الروايات الآتية ( إن تلك ) : بكسر الكاف أي هي ( يغشاها ) : أي يدخل عليها ( تضعين ثيابك ) : أي لا تخافين من نظر رجل إليك . قال النووي : أمرها بالانتقال إلى بيت ابن أم مكتوم ; لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك حتى إذا وضعت ثيابها للتبرز نظروا إليها . وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهو ضعيف , والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } الآية , ولحديث أم سلمة " أفعمياوان أنتما " وأيضا ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه بل فيه أنها آمنة عنده من نظر غيره , وهي مأمورة بغض بصرها عنه انتهى ( فإذا حللت ) : أي خرجت من العدة ( فآذنيني )
: بالمد وكسر الذال أي فأعلميني ( وأبا جهم ) : بفتح فسكون هو عامر بن حذيفة العدوي القرشي , وهو مشهور بكنيته , وهو الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم أنبجانيته في الصلاة . قال النووي : وهو غير أبي جهم المذكور في التيمم , وفي المرور بين يدي المصلي ( فلا يضع عصاه عن عاتقه ) : بكسر الفوقية أي منكبه , وهو كناية عن كثرة الأسفار أو عن كثرة الضرب وهو الأصح , بدليل الرواية الأخرى أنه ضراب للنساء , ذكره النووي , وقال : فيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة , ولا يكون هذا في الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة
( فصعلوك ) : بضم الصاد أي فقير ( لا مال له ) : صفة كاشفة
( انكحي ) : بهمز وصل وكسر الكاف أي تزوجي ( فكرهته ) : أي ابتداء لكونه مولى أسود جدا . وإنما أشار صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة لما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك ( ثم قال انكحي ) : إنما كرر عليها الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك , ولذا قالت فجعل الله تعالى إلخ ( واغتبطت به ) : بفتح التاء والباء أي صرت ذات غبطة بحيث اغتبطتني النساء لحظ كان لي منه قاله القاري , وقال النووي : قال أهل اللغة الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه , وليس هو الحسد , تقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطا وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس انتهى . وفي الحديث حجة لمن قال إن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى . قال النووي : اختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل [ أي غير الحامل ] هل لها النفقة والسكنى أم لا , فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة وآخرون لها السكنى والنفقة . وقال ابن عباس وأحمد : لا سكنى لها ولا نفقة . وقال مالك والشافعي وآخرون : يجب لها السكنى ولا نفقة لها . واحتج من أوجبهما جميعا بقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } فهذا أمر بالسكنى . وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه . وقد قال عمر : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة جهلت أو نسيت . قال العلماء الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات السكنى . قال الدارقطني : قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات . واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس , واحتج من أوجب السكنى دون النفقة لوجوب السكنى بظاهر قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } ولأن وجوب النفقة بحديث فاطمة مع ظاهر قول الله تعالى { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفقن عليهن . وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط النفقة بما قاله سعيد بن المسيب وغيره أنها كانت امرأة لسنة واستطالت على أحمائها فأمرها بالانتقال فتكون عند ابن أم مكتوم . وقيل : لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها أخاف أن يقتحم علي , ولا يمكن شيء من هذا التأويل في سقوط نفقتها والله أعلم . وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة . وأما الرجعية فتجبان لها بالإجماع . وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع . والأصح عندنا وجوب السكنى لها , فلو كانت حاملا فالمشهور أنه لا نفقة كما لو كانت حائلا . وقال بعض أصحابنا : تجب وهو غلط والله أعلم . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي . ( أبا حفص بن المغيرة ) : وقد تقدم في الرواية الأولى أن اسم زوجها أبو عمرو بن حفص . قال النووي : هكذا قاله الجمهور أنه أبو عمرو بن حفص , وقيل أبو حفص بن عمرو , وقيل أبو حفص بن المغيرة ( فيه ) : أي في الحديث ( وحديث مالك ) : أي المذكور أولا . ( وخبر خالد بن الوليد ) : بالنصب عطف على الحديث أي وساق الحديث مع ذكر خبر خالد بن الوليد , وهو إتيانه مع نفر من بني مخزوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما كان في الرواية المتقدمة ( أن لا تسبقيني بنفسك ) : هو من التعريض بالخطبة , وهو جائز في عدة الوفاة , وكذا في عدة البائن بالثلاث . وفيه قول ضعيف في عدة البائن , والصواب الأول لهذا الحديث . ( ولا تفوتيني بنفسك ) : تعريض بالخطبة ( قال أبو داود وكذلك ) : أي بلفظ أن زوجها طلقها ثلاثا ( رواه الشعبي ) : رواية الشعبي أخرجها المؤلف ( والبهي ) : روايته أخرجها مسلم ( وعطاء عن عبد الرحمن بن عاصم ) : رواية عطاء عن عبد الرحمن بن عاصم عن فاطمة بنت قيس , أخرجها النسائي ( وأبو بكر بن أبي الجهم ) : روايته أخرجها مسلم ( كلهم ) : أي الشعبي والبهي وعبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن أبى الجهم .
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى
( عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها إلخ ) : قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا .
حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتته في خروجها من بيتها فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيتها قال عروة وأنكرت عائشة رضي الله عنها على فاطمة بنت قيس قال أبو داود وكذلك رواه صالح بن كيسان وابن جريج وشعيب بن أبي حمزة كلهم عن الزهري قال أبو داود وشعيب بن أبي حمزة واسم أبي حمزة دينار وهو مولى زياد
( طلقها آخر ثلاث تطليقات ) : أي التي كانت باقية لها , وقد كان طلقها تطليقتين قبل ( قال أبو داود : وكذلك رواه صالح بن كيسان ) : أي مثل رواية عقيل عن ابن شهاب . ورواية صالح عند مسلم ( وابن جريج ) : روايته عند الدارقطني ( وشعيب بن أبي حمزة ) : رواية شعيب عند النسائي ( واسم أبي حمزة دينار وهو ) : أي أبو حمزة . قال في التقريب : شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم , واسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي ثقة عابد . قال ابن معين : من أثبت الناس في الزهري . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .
حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله قال أرسل مروان إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب يعني على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا واستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت أين أنتقل يا رسول الله قال عند ابن أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك فقال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى
فطلقوهن لعدتهن حتى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
قالت فأي أمر يحدث بعد الثلاث قال أبو داود وكذلك رواه يونس عن الزهري وأما الزبيدي فروى الحديثين جميعا حديث عبيد الله بمعنى معمر وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل ورواه محمد بن إسحق عن الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه بمعنى دل على خبر عبيد الله بن عبد الله حين قال فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك
( أرسل مروان ) : أي قبيصة ( أمر ) : بتشديد الميم أي حمله أميرا ( فخرج معه )
. أي مع علي ( زوجها ) أي زوج فاطمة
( فبعث ) : أي زوج فاطمة ( إليها ) : أي إلى فاطمة ( بتطليقة كانت بقيت لها ) وقد كان طلقها تطليقتين قبل ( إلا أن تكوني حاملا ) : فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائنا إذا كانت حاملا , ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة , فلا يرد ما قيل إنه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا لم تكن حاملا , ولو سلم الدخول لكان الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقا مخصصا لعموم ذلك المفهوم ( فأذن لها ) : فيه دليل على أنه يجوز للمطلقة بائنا الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن , وهي فيه , فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { ولا يخرجن } كذا في النيل ( فسنأخذ بالعصمة ) : بكسر العين أي بالثقة والأمر القوي الصحيح . قاله النووي { فطلقوهن لعدتهن } : تمام الآية { وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ( حتى لا تدري ) : أي قرأت إلى قوله تعالى { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } .
( قالت ) : أي فاطمة ( فأي أمر يحدث بعد الثلاث ) : أي أن الآية لم تتناول المطلقة البائن , وإنما هي لمن كانت له مراجعة ; لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه , فأي أمر يحدث بعد الثلاث من الطلاق . قال الحافظ في الفتح : وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى { يحدث بعد ذلك أمرا } المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه . وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل الله - تعالى - من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة انتهى . ( وكذلك رواه يونس عن الزهري ) : أي مثل رواية معمر عن الزهري المذكورة ( وأما الزبيدي ) : بالزاي والموحدة مصغرا هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي القاضي ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري ( فروى الحديثين جميعا حديث عبيد الله ) : ولفظ حديث منصوب بدل من قوله الحديثين . وعبيد الله هذا هو ابن عبد الله بن عتبة ( بمعنى معمر ) : أي كما روى معمر عن الزهري عن عبيد الله ( وحديث أبي سلمة ) : عطف على قوله حديث عبيد الله ( بمعنى عقيل ) : أي كما روى عقيل عن الزهري عن أبي سلمة . وحاصله أن الزبيدي روى حديث عبيد الله المذكور آنفا بمعنى معمر لا بلفظه , وروى أيضا حديث أبي سلمة المذكور قبل حديث عبيد الله بمعنى عقيل الراوي عن ابن شهاب ( ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري ) : وحديثه عند أحمد في مسنده , ولفظه حدثنا يعقوب , وهو ابن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال : وذكر محمد بن مسلم الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل , وكانت فاطمة بنت قيس خالتهما وكانت عند عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان طلقها ثلاثا فبعث إليها خالتها فاطمة بنت قيس فنقلتها إلى بيتها , ومروان بن الحكم على المدينة . قال قبيصة : فبعثني إليها مروان فسألتها ما حملها على أن تخرج امرأة من بيتها قبل أن تنقضي عدتها قال فقالت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك . قال ثم قصت علي حديثها ثم قالت : وأنا أخاصمكم بكتاب الله , يقول الله عز وجل في كتابه { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } إلى { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ثم قال عز وجل : { فإذا بلغن أجلهن } الثالثة { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } والله ما ذكر الله بعد الثالثة حبسا مع ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فرجعت إلى مروان فأخبرته خبرها فقال : حديث امرأة قال : ثم أمر بالمرأة فردت إلى بيتها حتى انقضت عدتها انتهى ( بمعنى ) : أي بالمعنى الذي دل ذلك المعنى ( على خبر عبيد الله بن عبد الله ) : وذلك المعنى هو رواية قبيصة بن ذؤيب , لذلك الحديث عن فاطمة بنت قيس , ويدل على روايته لذلك عنها قوله ( حين قال : فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك ) : فمراجعة قبيصة من فاطمة إلى مروان تدل على أن قبيصة رواه عن فاطمة مشافهة . فشبه أن يكون مراد المؤلف والله أعلم أن رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ليست بمستبعدة , وإن كان روى معمر عن الزهري عن عبيد الله وروى عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة . قلت : وذلك لأن الزهري أدرك عصر قبيصة فكيف ينكر لقاءه عن قبيصة وهذا التوجيه أشبه إلى الصواب . وفيه تأويل ضعيف أي روى الزهري عن قبيصة لا من صريح لفظ قبيصة حيث شافه قبيصة الزهري بهذا الحديث بل رواه بالمعنى وبالاستنباط حيث دل وأرشد على ذلك المعنى المأخوذ , وعلى ذلك الاستنباط خبر عبيد الله بن عبد الله , وفيه قوله فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك , فدلس الزهري وروى عن قبيصة بن ذؤيب لكن لفظ أحمد وذكر الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه يدفع هذا التأويل . كذا في غاية المقصود والله أعلم . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي . وذكر أبو مسعود الدمشقي أن حديث عبيد الله هذا مرسل .
باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس
حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحق قال كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا
( مع الأسود ) : أي ابن يزيد ( فقال ) : أي الأسود
( ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا ) : قال النووي : قال العلماء الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات السكنى . قال الدارقطني وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات . انتهى , وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفعة فقد قال الإمام أحمد : لا يصح ذلك عن عمر . وقال الدارقطني : السنة بيد فاطمة قطعا , وأيضا تلك الرواية من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين ( لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا ) . فإن قلت : إن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة , قلت : هذا مطعن باطل بإجماع المسلمين للقطع بأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة , وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة , ولم ينقل أيضا عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله , ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبق حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحا فيه لأن تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضيا إلى تعطيل السنن بأسرها , مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ , كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدجال , ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه , فكيف يظن بها أن تحفظ مثل هذا وتنسى أمرا متعلقا بها مقترنا بفراق زوجها وخروجها من بيته . كذا في النيل . قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : قال أبو داود في المسائل : سمعت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر " لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة " فلم يصحح هذا عن عمر وقال الدارقطني هذا الكلام لا يثبت عن عمر يعني قوله " سنة نبينا " ثم ذكر أحاديث الباب ثم قال بعد انتهاء آخر الباب : اختلف الناس في المبتوتة هل لها نفقة أو سكنى ؟ على ثلاثة مذاهب وعلى ثلاث روايات عن أحمد : أحدها : أنه لا سكنى لها ولا نفقة وهو ظاهر مذهبه . وهذا قول علي بن أبي طالب , وعبد الله بن عباس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعكرمة وميمون بن مهران وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وأكثر فقهاء الحديث وهو مذهب صاحبة القصة فاطمة بنت قيس وكانت تناظر عليه . والثاني : ويروى عن عمر وعبد الله بن مسعود : أن لها السكنى والنفقة . وهو قول أكثر أهل العراق وقول ابن شبرمة وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن أبي صالح وأبي حنيفة وأصحابه وعثمان البتي والعنبري . وحكاه أبو يعلى القاضي في مفرداته رواية عن أحمد وهي غريبة جدا والثالث . أن لها السكنى دون النفقة وهذا قول مالك والشافعي وفقهاء المدينة السبعة وهو مذهب عائشة أم المؤمنين . وأسعد الناس بهذا الخبر من مال به وأنه لا نفقة لها ولا سكنى وليس مع رده حجة تقاومه ولا تقاربه . قال ابن عبد البر : أما من طريق الحجة وما يلزم منها فقول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأرجح لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا , فأي شيء يعارض , هذا إلا مثله عن النبي الذي هو المبين عن الله مراده ؟ ولا شيء يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } . وأما قول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن عباس ومن وافقهما والحجة معهم ولو لم يخالفهم أحد منهم لما قبل قول المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وعلى غيره . ولم يصح عن عمر أنه قال : " لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة " فإن أحمد أنكره وقال : أما هذا فلا . ولكن قال : " لا نقبل في ديننا قول امرأة " وهذا أمر يرده الإجماع على قبول المرأة في الرواية , فأي حجة في شيء يخالفه الإجماع , وترده السنة ويخالفه فيه علماء الصحابة ؟ وقال إسماعيل بن إسحاق : نحن نعلم أن عمر لا يقول " لا ندع كتاب ربنا " إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى , والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملا لقوله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } وأما غير ذوات الحمل فلا يدل إلا على أنهن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق . آخر كلامه . والذين ردوا خبر فاطمة هذا ظنوه معارضا للقرآن , فإن الله تعالى قالا : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } وقال : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } وهذا لو كان كما ظنوه لكان في السكنى خاصة , وأما إيجاب النفقة لها فليس في القرآن إلا ما يدل على أنه لا نفقة لهن , كما قال القاضي إسماعيل لأن الله سبحانه وتعالى شرط في وجوب الإنفاق أن يكن من أولات الحمل , وهو يدل على أنها إذا كانت حاملا فلا نفقة لها , كيف وإن القرآن لا يدل على وجوب السكنى لمبتوتة بوجه ما ؟ فإن السياق كله إنما هو في الرجعية . يبين ذلك قوله تعالى : " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } وقوله : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وهذا في البائن مستحيل ثم قال : { أسكنوهن } : واللاتي قال فيهن : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } قال فيهن { أسكنوهن } و { لا تخرجوهن من بيوتهن } وهذا ظاهر جدا . وشبهة من ظن أن الآية في البائن قوله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } قالوا ومعلوم أن الرجعية لها النفقة حاملا كانت أو حائلا وهذا لا حجة فيه , فإنه إذا أوجب نفقتها حاملا لم يدل ذلك على أنه لا نفقة لها إذا كانت حائلا بل فائدة التقييد بالحمل التنبيه على اختلاف جهة الإنفاق بسبب الحمل قبل الوضع وبعده , فقيل الوضع لها النفقة حتى تضعه فإذا وضعته صارت النفقة بحكم الإجازة ورضاعة الولد , وهذه قد يقوم غيرها مقامها فيه فلا تستحقها لقوله تعالى : { فإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } وأما النفقة حال الحمل فلا يقوم غيرها مقامها فيه بل هي مستمرة حتى تضعه . فجهة الإنفاق مختلفة . وأما الحائل فنفقتها معلومة من نفقة الزوجات , فإنها زوجة ما دامت في العدة فلا حاجة إلى بيان وجوب نفقتها . وأما الحامل فلما اختلف جهة النفقة عليها قبل الوضع وبعده , ذكر سبحانه الجهتين والسببين وهذا من أسرار القرآن ومعانيه التي يختص الله بفهمها من يشاء . وأيضا فلو كان قوله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } في البوائن لكان دليلا ظاهرا على أن الحائل البائن لا نفقة لها لاشتراط الحمل في وجوب الاتفاق , والحكم المعلق بالشرط يعدم عند عدمه , وأما آية السكنى فلا يقول أحد إنها مختصة بالبائن لأن السياق يخالفه ويبين أن الرجعية مرادة منها , فإما أن يقال : هي مختصة بالرجعية كما يدل عليه سياق الكلام وتتحد الضمائر ولا تختلف مفسراتها بل يكون مفسر قوله { فأمسكوهن } هو مفسر قوله { أسكنوهن } وعلى هذا فلا حجة في سكنى البائن . وإما أن يقال : هي عامة للبائن والرجعية وعلى هذا فلا يكون حديث فاطمة منافيا للقرآن بل غايته : أن يكون مخصصا لعمومه وتخصيص القرآن بالسنة جائز واقع , هذا لو كان قوله { أسكنوهن } : عاما , فكيف ولا يصح فيه العموم لما ذكرناه ؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نفقة لك ولا سكنى , وقوله في اللفظ الآخر : " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة , رواه الإمام أحمد والنسائي , وإسناده صحيح . وفي لفظ لأحمد " إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت عليها الرجعة , فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى , وهذا يبطل كل ما تأولوا به حديث فاطمة , فإن هذا فتوى عامة وقضاء عام في حق كل مطلقة , فلو لم يكن لشأن فاطمة ذكر في المبين لكان هذا اللفظ العام مستقلا بالحكم لا معارض له بوجه من الوجوه . فقد تبين أن القرآن لا يدل على خلاف هذا الحديث بل إنما يدل على موافقته , كما قالت فاطمة : " بيني وبينكم القرآن " . ولما ذكر لأحمد قول عمر : " لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة " تبسم أحمد وقال : أي شيء في القرآن خلاف هذا ؟ وأما قوله في الحديث " وسنة نبينا " فإن هذه اللفظة وإن كان مسلم رواها فقد طعن فيها الأئمة كالإمام أحمد وغيره . قال أبو داود في كتاب المسائل : سمعت أحمد بن حنبل - وذكر له قول عمر : " لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة " - قلت : أيصح هذا عن عمر ؟ قال : لا . وروى هذه الحكاية البيهقي في السنن والآثار عن الحاكم عن ابن بطة عن أبي حامد الأشعري عن أبي داود . وقال الدارقطني : هذا اللفظ لا يثبت يعني قوله : " وسنة نبينا " ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه , وقد تابعه قبيصة بن عقبة , فرواه عن عمار بن رزيق مثل قول يحيى بن آدم سواء والحسن بن عمارة متروك وأشعث بن سوار ضعيف ورواه الأعمش عن إبراهيم دون قوله : " وسنة نبينا " والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ وقال البيهقي : هذه اللفظة أخرجها مسلم في صحيحه . وذهب غيره من الحفاظ إلى أن قوله " وسنة نبينا " غير محفوظة في هذا الحديث , فقد رواه يحيى بن آدم وغيره عن عمار بن رزيق في السكنى دون هذه اللفظة , وكذلك رواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر دون قوله " وسنة نبينا " وإنما ذكره أبو أحمد عن عمار وأشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن الأسود عن عمر والحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن الخليل الحضرمي عن عمر ثم ذكر كلام الدارقطني أنها لا تثبت . فقد تبين أنه ليس في السنة ما يعارض حديث فاطمة كما أنه ليس في الكتاب ما يعارضه . وفاطمة امرأة جليلة من فقهاء الصحابة غير متهمة في الرواية . وما يرويه بعص الأصوليين : " لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت ؟ " غلط ليس في الحديث وإنما الذي في الحديث " حفظت أم نسيت ؟ " هذا لفظ مسلم . قال هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد : أنه ذكر عند الشعبي قول عمر هذا " حفظت أم نسيت ؟ " فقال الشعبي , : امرأة من قريش ذات عقل ورأي تنسى قضاء قضي به عليها ؟ قال : وكان الشعبي يأخذ بقولها . وقال ميمون بن مهران لسعيد بن المسيب : تلك امرأة فتنت الناس لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فتنت الناس وإن لنا في رسول الله أسوة حسنة . ثم رد خبرها بأنها امرأة مما لا يقول به أحد , وقد أخذ الناس برواية من هو دون فاطمة وبخبر الفريعة وهي امرأة وبحديث النساء كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من الصحابيات بل قد احتج العلماء بحديث فاطمة هذا بعينه في أحكام كثيرة . منها : نظر المرأة إلى الرجل ووضعها ثيابها في الخلوة وجواز الخطبة على خطبة الغير إذا لم تجبه المرأة ولم يسكن إليها وجواز نكاح القرشية لغير القرشي , ونصيحة الرجل لمن استشاره في أمر يعيب من استشاره فيه وأن ذلك ليس بغيبة . ومنها : الإرسال بالطلاق في الغيبة . ومنها : التعريض بخطبة المعتدة البائن بقوله " لا تفوتيني بنفسك " . ومنها : احتجاج الأكثرين به على سقوط النفقة للمبتوتة التي ليست بحامل . فما بال حديثها محتجا به في هذه الأحكام دون سقوط السكنى ؟ فإن حفظته فهو حجة في الجميع وإن لم يكن محفوظا لم يجز أن يحتج به في شيء . والله أعلم . وقال الشافعي في القديم : فإن قال قائل : فإن عمر بن الخطاب اتهم حديث فاطمة بنت قيس وقال : " لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة " ؟ قلنا : لا نعرف أن عمر اتهمها وما كان في حديثها ما تتهم له ما حدثت إلا بما يجب , وهي امرأه من المهاجرين لها شرف وعقل وفضل . ولو رد شيء من حديثها كان إنما يرد منه أنه أمرها بالخروج من بيت زوجها فلم تذكر هي : لم أمرت بذلك ؟ وإنما أمرت به لأنها استطالت على أحمائها , فأمرت بالتحول عنهم للشر بينها وبينهم , فكأنهم أحبوا لها ذكر السبب الذي له أخرجت لئلا يذهب ذاهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تعتد المبتوتة حيث شاءت في غير بيت زوجها . وهذا الذي ذكره الشافعي هو تأويل عائشة بعينه , وبه أجابت مروان لما احتج عليها بالحديث كما تقدم . ولكن هذا التأويل مما لا يصح دفع الحديث به من وجوه . أحدها : أنه ليس بمذكور في القصة , ولا علق عليه الحكم قط , لا باللفظ ولا بالمفهوم , وإن كان واقعا فتعليق الحكم به تعليق على وصف لم يعتبره النبي صلى الله عليه وسلم ولا في لفظه قط ما يدل على إسقاط السكنى به وترك لتعليق الحكم بالوصف الذي اعتبره , وعلق به الحكم وهو عدم ثبوت الرجعة . الثاني : أنكم لا تقولون به فإن المرأة ولو استطالت ولو عصت بما عسى أن تعصى به لا يسقط حقها من السكنى , كما لو كانت حاملا بل كان يستكرى لها من حقها في مال زوجها وتسكن ناحية . وقد أعاذ الله فاطمة بنت قيس من ظلمها وتعديها إلى هذا الحد , كيف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعنفها بذلك ولا نهاها عنه ولا قال لها إنما أخرجت من بيتك بظلمك لأحمائك ؟ بل قال لها : " إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة " وهذا هو الوجه الثالث , وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها السبب الذي من أجله سقط حقها من السكنى وهو سقوط حق الزوج من الرجعة , وجعل هذا قضاء عاما لها ولغيرها , فكيف يعدل عن هذا الوصف إلى وصف لو كان واقعا لم يكن له تأثير في الحكم أصلا ؟ وقد روى الحميدي في مسنده هذا الحديث وقال فيه : " يا ابنة قيس إنما لك السكنى والنفقة ما كان لزوجك عليك الرجعة " ورواه الأثرم فأين التعليل بسلاطة اللسان مع هذا البيان ؟ ثم لو كان ذلك صحيحا لما احتاج عمر في رده إلى قوله : " لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة " بل كان يقول : لم يخرجها من السكنى إلا بذاؤها وسلطها , ولم يعللها بانفراد المرأة به , وقد كان عمر رضي الله عنه يقف أحيانا في انفراد بعض الصحابة , كما طلب من أبي موسى شاهدا على روايته وغيره . وقد أنكرت فاطمة على من أنكر عليها , وردت على من رد عليها , وانتصرت لروايتها ومذهبها رضي الله عنهم أجمعين . وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين " أن لا بيت لها عليه ولا قوت " ولو لم يكن في المسألة نص لكان القياس يقتضي سقوط النفقة والسكنى , لأنها إنما تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع , والبائن قد فقد في حقها ذلك , ولهذا وجبت للرجعية لتمكنه من الاستمتاع بها , وأما البائن فلا سبيل له إلى الاستمتاع بها إلا بما يصل به إلى الأجنبية وحبسها لعدته لا يوجب نفقة كما لو وطئها بشبهة , وكالملاعنة والمتوفى عنها زوجها . والله أعلم .
حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب يعني حديث فاطمة بنت قيس وقالت إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه قيل لعائشة ألم تري إلى قول فاطمة قالت أما إنه لا خير لها في ذلك حدثنا هارون بن زيد حدثنا أبي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة قال إنما كان ذلك من سوء الخلق
( لقد عابت ذلك ) : أي قول فاطمة بأنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن ( في مكان وحش ) : بفتح الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي خال ليس به أنيس ( فلذلك رخص لها ) : أي في الانتقال . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه . وأخرجه البخاري تعليقا . ( ألم تري )
: بحذف النون
( إلى قول فاطمة ) : أي بنت قيس
( قالت ) : أي عائشة ( أما ) : بالتخفيف للتنبيه ( إنه ) : أي الشأن ( لا خير لها ) : أي لفاطمة في ذكر ذلك : فإنها تذكر على وجه يقع الناس في الخطأ . قاله السندي . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه . ( إنما كان ذلك ) : أي انتقالها من مسكن الزوج . قال المنذري : هذا مرسل .
حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت له اتق الله واردد المرأة إلى بيتها فقال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن غلبني وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس فقالت عائشة لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة فقال مروان إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر
( طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم ) : هي بنت أخي مروان واسمها عمرة ( فانتقلها )
: أي نقلها من مسكنها الذي طلقت فيه ( وهو أمير المدينة ) : أي يومئذ من قبل معاوية وولي الخلافة بعد ذلك ( واردد المرأة ) : أي عمرة بنت عبد الرحمن ( إلى بيتها ) : أي الذي طلقت فيه ( فقال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني ) : وهو موصول بالإسناد المذكور إلى يحيى بن سعيد , وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقا عليه ثم بين لفظ سليمان وحده ولفظ القاسم بن محمد وحده وقول مروان إن عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني في ردها إلى بيتها , وقيل مراده غلبني بالحجة ; لأنه احتج بالشر الذي كان بينهما كذا في الفتح ( لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة ) : لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب . وقال في الكواكب : كان لعلة وهو أن مكانها كان وحشا مخوفا عليها أو لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها كذا في القسطلاني ( فقال مروان إن كان بك الشر ) : أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ; ولذلك قال ( فحسبك ) : أي فيكفيك
( ما كان بين هذين ) : أي عمرة وزوجها يحيى , وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر الخروج مطلقا كما مر ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه مختصرا .
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا جعفر بن برقان حدثنا ميمون بن مهران قال قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب فقلت فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها فقال سعيد تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى
( فدفعت ) : بصيغة المتكلم المجهول ( تلك امرأة فتنت الناس ) : أي بذكر هذا الحديث على وجه يقع الناس في الخطأ ( كانت لسنة ) : بكسر السين أي كانت تأخذ الناس وتجرحهم بلسانها ( فوضعت ) : على البناء للمجهول أي أخرجت من بيت زوجها وجعلت كالوديعة عند ابن أم مكتوم . وهذا الأثر سكت عنه المنذري . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الأربعاء يونيو 16, 2010 12:05 am | |
| باب في المبتوتة تخرج بالنهار
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا
( طلقت ) : بضم الطاء وتشديد اللام ( ثلاثا ) : أي ثلاث تطليقات أو ثلاث مرات ( تجد ) بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطع ثمر نخلها ( لعلك أن تصدقي ) : بحذف إحدى التاءين ( أو ) : للتنويع . قال الخطابي : وجه استدلال أبي داود من هذا الحديث في أن للمعتدة في الطلاق أن تخرج بالنهار هو أن جداد النخل في غالب العرف لا يكون إلا نهارا وقد نهي عن جداد الليل , ونخل الأنصار قريب من دورهم , فهي إذا خرجت بكرة للجداد أمكنها أن تمسي في بيتها لقرب المسافة , وهذا في المعتدة من التطليقات الثلاث , فأما الرجعية فإنها لا تخرج ليلا ولا نهارا . وقال أبو حنيفة : لا تخرج المبتوتة ليلا ولا نهارا كالرجعية . وقال الشافعي : تخرج نهارا ولا تخرج ليلا على ظاهر الحديث انتهى قال القاري : تعليل للخروج ويعلم منه أنه لولا التطوع لما جاز لها الخروج , أو للتنويع بأن يراد بالتصدق الفرض وبالخير التطوع والهدية والإحسان إلى الجار , يعني أن يبلغ مالك نصابا فتؤدي زكاته وإلا فافعلي معروفا من التصدق والتقرب والتهادي . وفيه أن حفظ المال واقتناءه لفعل المعروف مرخص انتهى . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه .
باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج
فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا
{ والذين يتوفون منكم ويذرون } : أي يتركون { أزواجا وصية } : بالنصب أي فليوصوا وصية . وفي قراءة بالرفع أي عليكم وصية
{ متاعا } : أي متعوهن متاعا , وهو نفقة سنة لطعامها وكسوتها وسكناها وما تحتاج إليه { غير إخراج } : حال أي غير مخرجات من مسكنهن . والحديث أخرجه النسائي وأخرجه أيضا من قول عكرمة وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال قاله المنذري .
باب إحداد المتوفى عنها زوجها
قال أهل اللغة : الإحداد والحداد مشتق من الحد وهو المنع لأنها تمنع الزينة والطيب , يقال أحدت المرأة تحد إحدادا , وحدت تحد بضم الحاء وتحد بكسرها حدا . كذا قال الجمهور إنه يقال أحدت وحدت . وقال الأصمعي : لا يقال إلا أحدت رباعيا , ويقال امرأة حاد ولا يقال حادة . وأما الإحداد في الشرع فهو ترك الطيب والزينة .
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
( على أم حبيبة ) : أي بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها ( فدعت بطيب ) : أي طلبت طيبا ( فيه صفرة خلوق ) : على وزن صبور ضرب من الطيب , وهو إما مجرور على إضافة صفرة إليه , أو مرفوع على أنه صفة لصفرة ( ثم مست بعارضيها ) : أي بجانبي وجه نفسها وهما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن ( لا يحل ) : أي لا يجوز
( لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ) : قال الطيبي رحمه الله : الوصف بالإيمان إشعار بالتعليل وأن من آمن بالله وبعقابه لا يجترئ على مثله من العظام ( أن تحد ) : بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من الإحداد أو بفتح الفوقية وضم الحاء وكسرها أي أن تمنع نفسها من الزينة وتترك الطيب ( إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ) : قال النووي : فيه دليل على وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة زوجها وهو مجمع عليه في الجملة , وإن اختلفوا في تفصيله , فيجب على كل معتدة عن وفاة سواء المدخول بها وغيره والصغيرة والكبيرة والبكر والثيب والحرة والأمة والمسلمة والكافرة هذا مذهب الشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين وأبو ثور وبعض المالكية : لا يجب على الزوجة الكتابية بل يختص بالمسلمة لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله فخصه بالمؤمنة . ودليل الجمهور أن المؤمن هو الذي يستثمر خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له . وقال أبو حنيفة أيضا : لا إحداد على الصغيرة ولا على الزوجة الأمة . وأجمعوا على أنه لا إحداد على أم الولد ولا على الأمة إذا توفي عنهما سيدهما , ولا على الزوجة الرجعية . واختلفوا في المطلقة ثلاثا , فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وابن المنذر : لا إحداد عليها قال : وقال الحكم وأبو حنيفة والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد : عليها الإحداد انتهى .
قالت زينب ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
( حين توفي أخوها ) : سمي في بعض الموطآت عبد الله , وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب , وإن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدا وزينب بنت أبي سلمة يومئذ طفلة , فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة , وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر , فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهي مميزة , أو الميت كان أخا زينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة كذا في الفتح .
قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول
قال حميد فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره قال أبو داود الحفش بيت صغير
( قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة ) : هذا هو الحديث الثالث , وأم سلمة بدل من أمي ( إن ابنتي توفي زوجها عنها ) : واسمه المغيرة المخزومي ( وقد اشتكت عينها ) : وفي بعض النسخ عينيها بصيغة التثنية . قال ابن دقيق العيد : يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل , وهي المرأة ورجح هذا , ووقع في بعض الروايات عيناها يعني وهو يرجح الضم , وهذه الرواية في مسلم , وعلى الضم اقتصر النووي , وهو الأرجح , والذي رجح الأول هو المنذري ( نكحلها ) : بالنون المفتوحة وبضم الحاء , وفي بعض النسخ أفنكحلها بذكر الهمزة وفي بعضها أفتكحلها بتاء التأنيث والضمير البارز إليها أو إلى عينها ( لا ) : أي لا تكحلها ( مرتين أو ثلاثا ) : أي قال مرتين أو ثلاثا ( كل ذلك ) : بالنصب ( يقول لا )
: قال الطيبي : صفة مؤكدة لقوله ثلاثا . قال النووي : فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا . وجاء في الحديث الآخر في الموطإ وغيره في حديث أم سلمة : اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار . ووجه الجمع بين الأحاديث أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل لها , وإن احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل , مع أن الأولى تركه , فإن فعلته مسحته بالنهار إنما هي أي العدة الشرعية ( أربعة أشهر وعشرا ) : بالنصب على حكاية لفظ القرآن . قال الحافظ : ولبعضهم بالرفع وهو واضح ( ترمي بالبعرة ) : بفتح الموحدة والعين وتسكن وهي روث البعير ( على رأس الحول ) : أي في أول السنة ( قال حميد )
: هو ابن نافع راوي الحديث , وهو موصول بالإسناد المبدوء به
( وما ترمي بالبعرة ) : أي بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة .
( دخلت حفشا ) : بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء وبالشين المعجمة أي بيتا صغيرا حقيرا قريب السمك ( ولم تمس )
: بفتح التاء الفوقية والميم ( حتى تمر بها سنة ) : أي من وفاة زوحها ( ثم تؤتى )
: بضم أوله وفتح ثالثة ( بدابة ) : بالتنوين قال في القاموس : ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( حمار ) : بالتنوين والجر على البدل ( أو شاة أو طائر ) : أو للتنويع لا للشك , وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة اللغوية كما مر ( فتفتض به ) : بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة . قال ابن قتيبة : سألت الحجازين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به . وقال الخطابي : هو من فضضت الشيء إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة . قال الأخفش : معناه تتنظف به , وهو مأخوذ من الفضة تشبيها له بنقائها وبياضها , وقيل تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة . وقال الخليل : الفضيض الماء العذب يقال افتضضت أي اغتسلت به , كذا قال القسطلاني ( فقلما تفتض بشيء ) : أي مما ذكر
( إلا مات ) : أي ذلك الشيء ( فتعطى ) : بصيغة المجهول ( فترمي بها ) : في رواية ابن الماجشون عن مالك : فترمي بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها . وفي رواية ابن وهب : من وراء ظهرها . قاله القسطلاني ( ثم تراجع بعد ) : أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( من طيب أو غيره ) : مما كانت ممنوعة منه في العدة . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
باب في المتوفى عنها تنتقل
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي قالت فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به
( أن الفريعة ) : بضم فاء وفتح راء ( بنت مالك بن سنان ) : بكسر أوله
( وهي ) : أي الفريعة ( أخبرتها )
: أي أخبرت الفريعة زينب ( تسأله ) : حال ( في بني خدرة ) : بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أبو قبيلة ( في طلب أعبد ) : بفتح فسكون فضم جمع عبد ( أبقوا ) : بفتح الموحدة أي هربوا ( بطرف القدوم ) : بفتح القاف وتشديد الدال وتخفيفها أيضا موضع على ستة أميال من المدينة ( ولا نفقة )
: بالجر أي ولا في نفقة ( في الحجرة ) : أي الحجرة الشريفة ( أو في المسجد ) : أي النبوي , وهو مسجد المدينة ( دعاني ) : أي دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو أمرني )
: وفي بعض النسخ أمر بي , والشك من الفريعة ( فدعيت له )
: أي نوديت وطلبت عنده ( فرددت عليه ) : أي أعدت عليه ما قلته سابقا ( فقال امكثي ) بضم الكاف أي توقفي واثبتي ( في بيتك )
: أي الذي كنت فيه ( حتى يبلغ الكتاب ) : أي العدة المكتوب عليها أي المفروضة ( أجله ) : أي مدته . والمعنى حتى تنقضي العدة وسميت العدة كتابا ; لأنها فريضة من الله تعالى قال تعالى { كتب عليكم } أي فرض , وهو اقتباس من قوله تعالى { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ونظائر الاقتباس في الأخبار كثيرة , ولا عبرة لقول من كرهه , كما بسطه السيوطي في الإتقان ( فلما كان عثمان بن عفان ) : أي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه , وفي رواية مالك فلما كان أمر عثمان ( فاتبعه وقضى به ) : أي اتبع عثمان ما أخبرته به وحكم به . قال العلامة القاضي الشوكاني في النيل : قد استدل بحديث فريعة على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه , ولا تخرج منه إلى غيره . وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر , وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء , وأخرجه حماد عن ابن سيرين , وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد . قال وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي : حسن صحيح .
باب من رأى التحول
للمتوفى عنها زوجها إلى مكان آخر . وبوب النسائي بقوله باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت .
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال قال عطاء قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى
غير إخراج
قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى
فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن
قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت
( نسخت هذه الآية ) : الأولى وهي قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } ( عدتها ) : أي المرأة المتوفى عنها زوجها ( عند أهلها ) : المذكورة في الآية الثانية وهي قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف } ( فتعتد حيث شاءت ) : لأن السكنى تبع للعدة , فلما نسخ الحول بأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضا ( وهو ) : أي المنسوخ حكمه ( قول الله عز وجل { غير إخراج } ) : فهذه الآية الثانية التي فيها غير إخراج منسوخ بالآية الأولى
( قال عطاء )
: أيضا ( إن شاءت )
: المتوفى عنها زوجها ( اعتدت عند أهله ) : أي أهل زوجها , ولفظ البخاري عند أهلها ( وسكنت في وصيتها ) : أي المشار إليه بقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول } ( وإن شاءت خرجت ) : من بيت زوجها ( ثم جاء الميراث ) : في قوله تعالى : { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن } ( فنسخ السكنى ) : كما نسخت آية الخروج وهي { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن } وجوب الاعتداد عند أهل الزوج ( تعتد حيث شاءت ) : وزاد البخاري : ولا سكنى لها . قال العيني : وهو قول أبي حنيفة : إن المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها وهو أحد قولي الشافعي كالنفقة وأظهرهما الوجوب ومذهب مالك أن لها السكنى إذا كانت الدار ملكا للميت انتهى . وفي صحيح البخاري حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } قال : كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف } . قال : جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها , وإن شاءت خرجت , وهو قول الله { غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم } فالعدة كما هي واجب عليها . زعم ذلك عن مجاهد . وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت . وقول الله { غير إخراج } قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها . قال الحافظ ابن حجر : قال ابن بطال : ذهب مجاهد إلى أن الآية وهي قوله تعالى : { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } نزلت قبل الآية التي فيها { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } , كما هي قبلها في التلاوة , وكان الحامل له على ذلك استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ , فرأى أن استعمالهما ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا , ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول إن أقامت عندهم . قال : وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليها من الفقهاء أحد بل أطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا . وقال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر , وإنما اختلفوا في قوله : { غير إخراج } فالجمهور على أنه نسخ أيضا . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال ولم يتابع على ذلك ولا قال أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة , بل روى ابن جريج عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه الناس فارتفع الخلاف , واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى على أنه أيضا شاذ لا يعول عليه . والله أعلم . قال العيني : وحاصل كلام مجاهد أنه جعل على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا , وأوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول . وقال العيني أيضا : قال مجاهد : إن العدة الواجبة : " أربعة أشهر وعشرا وتمام السنة باختيارها بحساب الوصية , فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول , وإن شاءت اكتفت بالواجب . ويقال : يحتمل أن يكون معناه العدة إلى تمام السنة واجبة , وأما السكنى عند زوجهما ففي الأربعة الأشهر والعشر واجبة , وفي التمام باختيارها , ولفظه : فالعدة كما هي واجب عليها . يؤيد هذا الاحتمال , وحاصله أنه لا يقوم بالنسخ والله أعلم . وفي جامع البيان في تفسير قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } يعني وحق المتوفى أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا , وينفق عليهن من تركته غير مخرجات من مساكنهن , وهذا في ابتداء الإسلام ثم نسخت المدة بقوله أربعة أشهر وعشرا والنفقة بالإرث . هذا ما عليه أكثر السلف , فكانت الآية متأخرة في التلاوة متقدمة في النزول والله أعلم . قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : اختلف السلف في وجوب اعتداد المتوفى عنها في منزلها , فأوجبه عمر وعثمان , وروي عن ابن مسعود وابن عمر وأم سلمة وبه يقول الثوري والأوزاعي وإسحاق والأئمة الأربعة . قال ابن عبد البر : وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر . وروي عن علي وابن عباس وجابر وعائشة : تعتد حيث شاءت , وقال به جابر بن زيد والحسن وعطاء . ثم اختلف الموجبون لملازمة المنزل فيما إذا جاءها خبر وفاته في غير منزلها فقال الأكثرون : تعتد في منزلها . وقال إبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب : لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها . وحديث الفريعة حجة ظاهرة لا معارض لها . وأما قوله تعالى { فإن خرجن فلا جناح عليكم } فإنها نسخت الاعتداد في منزل الزوج فالمنسوخ حكم آخر غير الاعتداد في المنزل , وهو استحقاقها للسكنى في بيت الزوج الذي صار للورثة سنة وصية أوصى الله بها الأزواج تقدم به على الورثة ثم نسخ ذلك بالميراث , ولم يبق لها استحقاق في السكنى المذكورة , فإن كان المنزل الذي توفي فيه الزوج لها أو بذل الورثة لها السكنى لزمها الاعتداد فيه , وهذا ليس بمنسوخ , فالواجب عليها فعل السكنى لا تحصيل المسكن , فالذي نسخ إنما هو اختصاصها بسكنى السنة دون الورثة , والذي أمرت به أن تمكث في بيتها حتى تنقضي عدتها ولا تنافي بين الحكمين . والله أعلم .
باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني هشام بن حسان ح و حدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله يعني ابن بكر السهمي عن هشام وهذا لفظ ابن الجراح عن حفصة عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط أو أظفار قال يعقوب مكان عصب إلا مغسولا وزاد يعقوب ولا تختضب حدثنا هارون بن عبد الله ومالك بن عبد الواحد المسمعي قالا حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن حفصة عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وليس في تمام حديثهما قال المسمعي قال يزيد ولا أعلمه إلا قال فيه ولا تختضب وزاد فيه هارون ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب
( عبد الله بن الجراح القهستاني ) : قال في المراصد : قوهستان بضم أوله ثم السكون وكسر الهاء وسين مهملة بتعريب كوهستان يعني موضع الجبال انتهى مختصرا ( لا تحد ) : بصيغة النفي ومعناه النهي ( المرأة ) : وفي بعض النسخ امرأة ( فوق ثلاث ) : أي ليال أو أيام ( ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ) : بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة , وهي برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسخ معصوبا فيخرج موشى , لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ . وإنما يعصب السدى دون اللحمة . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد , فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن , وكره عروة العصب أيضا وكره مالك غليظه . قال ابن النووي : الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا , وهذا الحديث حجة لمن أجازه . وقال ابن دقيق العيد : يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ , وهي الثياب البيض ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به , وكذلك الأسود إذا كان ممن يتزين به . قال النووي : ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا . واختلف في الحرير , فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ ; لأنه أبيح للنساء للتزين به , والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها كالرجال . وفي التحلي بالفضة والذهب وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه , وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه , وفي المقصود بالإحداد فإنه عند تأملها يترجح المنع كذا في الفتح ( ولا تكتحل ) : فيه دليل على منع المعتدة من الاكتحال , وقد تقدم الكلام عليه ويأتي بعضه ( ولا تمس طيبا ) : فيه تحريم الطيب على المعتدة , وهو كل ما يسمى طيبا , ولا خلاف في ذلك ( إلا أدنى طهرتها ) : أي عند قرب طهرها ( بنبذة ) : بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة , وهي القطعة من الشيء , وتطلق على الشيء اليسير ( من قسط ) : بضم القاف ضرب من الطيب , وقيل : هو عود يحمل من الهند ويجعل في الأدوية . قال الطيبي رحمه الله : القسط عقار معروف في الأدوية طيب الريح ينحر النفساء والأطفال ( أو أظفار ) : بفتح أوله ضرب من الطيب لا واحد له , وقيل : واحده ظفر , وقيل : يشبه الظفر المقلوم من أصله , وقيل : هو شيء من العطر أسود , والقطعة منه شبيهة بالظفر . قال النووي : القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور , وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للطيب , والله أعلم .
( وزاد يعقوب ) : أي في روايته ( ولا تختضب ) : أي بالحناء . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . ( بهذا الحديث ) : أي مثل الحديث المذكور , وهو حديث إبراهيم بن طهمان وعبد الله السهمي عن هشام ( وليس في تمام حديثهما ) : يشبه أن يكون المعنى أي ليس التشبيه ومثليه حديث يزيد بن هارون في تمام حديث إبراهيم بن طهمان وعبد الله السهمي بل مثليته في , البعض , والحاصل أن حديث يزيد بن هارون عن هشام مثل حديث إبراهيم وعبد الله عن هشام لكن بينهما تغاير قليل . وأخرج مسلم حديث يزيد لكن أحال على ما قبله والله أعلم .
حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل
( المتوفى عنها زوجها ) : مبتدأ وخبره لا تلبس ( لا تلبس المعصفر ) : أي المصبوغ بالمعصفر بالضم ( ولا الممشقة ) : بضم الميم الأولى وفتح الشين المعجمة المشددة أي المصبوغة بالمشق بكسر الميم , وهو الطين الأحمر الذي يسمى مغرة والتأنيث باعتبار الحالة أو الثياب ( ولا الحلي ) : بضم أوله ويجوز كسرها وبتشديد الياء جمع حلية , وهي ما يتزين به من المصاغ وغيره . قال المنذري : وأخرجه النسائي .
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال سمعت المغيرة بن الضحاك يقول أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء قال أحمد الصواب بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحلي به إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار ثم قالت عند ذلك أم سلمة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب قال إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء أمتشط يا رسول الله قال بالسدر تغلفين به رأسك
( بنت أسيد )
: بفتح الهمزة وكسر السين ( فتكتحل بالجلاء ) : بالكسر والمد . قال الخطابي : كحل الجلاء هو الإثمد وسمي جلاء لأنه يجلو البصر ( يشتد عليك ) : الضمير المرفوع في يشتد يرجع إلى أمر والجملة صفة له ( حين توفي ) : بضمتين وتشديد الفاء المكسورة أي مات ( أبو سلمة ) : زوجها الأول قبل النبي صلى الله عليه وسلم ( وقد جعلت على عيني صبرا ) : بفتح صاد وكسر موحدة وفي نسخة بسكونها قال في القاموس : بكسر الباء ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة الشعر , وقيل يجوز كلاهما على السوية ككتف وكتف . وقال الجعبري : الصبر معروف بفتح الصاد وكسر الباء وجاء إسكانها مع كسر الصاد وفتحها . وفي المصباح : الصبر بكسر الباء في المشهور دواء مر وسكون الباء للتخفيف لغة وروي مع فتح الصاد وكسرها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال ما هذا ) : أي ما هذا التلطخ وأنت في العدة ( إنه يشب )
: بفتح فضم فتشديد موحدة أي يوقد الوجه ويزيد في لونه ( وتنزعيه ) : بكسر الزاي عطف على قوله فلا تجعليه على معنى فاجعليه بالليل وانزعيه بالنهار ; لأن إلا في الاستثناء المفرغ لغو والكلام مثبت , وحذف النون في تنزعيه للتخفيف وهو خبر في معنى الأمر ( قال بالسدر ) : أي امتشطي ( تغلفين ) : بحذف إحدى التاءين من تغلف الرجل بالغالية أي تلطخ بها , أي تكثرين منه على شعرك حتى يصير غلافا له فتغطيه كتغطية الغلاف المغلوف , وروي بضم التاء وكسر اللام من التغليف , وهو جعل الشيء غلافا لشيء . كذا في المرقاة . قال في السبل : ذهب الجمهور ومالك وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجوز أي للمعتدة في عدتها الاكتحال بالإثمد مستدلين بحديث أم سلمة الذي أخرجه أبو داود يعني هذا الحديث المذكور آنفا قال ابن عبد البر : وهذا عندي , وإن كان مخالفا لحديثها الآخر الناهي عن الكحل مع الخوف على العين إلا أنه يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه
وسلم عرف من الحالة التي نهاها أن حاجتها إلى الكحل خفيفة
غير ضرورية والإباحة في الليل لدفع الضرر بذلك قلت : ولا يخفى أن فتوى أم سلمة قياس منها للكحل على الصبر , والقياس مع النص الثابت والنهي المتكرر لا يعمل به عند من قال بوجوب الإحداد انتهى . قال المنذري : وأخرجه النسائي , وأمها مجهولة . | |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 06/05/2010 العمر : 37 الموقع : lahma87.jeeran.com
| موضوع: رد: كتاب الطلاق الأربعاء يونيو 16, 2010 12:05 am | |
| باب في عدة الحامل
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها ما لي أراك متجملة لعلك ترتجين النكاح إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي قال ابن شهاب ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر
( على سبيعة ) : بضم السين وفتح الموحدة ( الأسلمية )
: نسبة إلى بني أسلم ( وهي حامل ) : جملة حالية أي فتوفي سعد بن خولة عن سبيعة حال كونها حاملا ( فلم تنشب ) : أي فلم تمكث ( فلما تعلت ) : بتشديد اللام أي طهرت , وفي بعض النسخ تعالت , وهما بمعنى . قال السندي : تعلت بتشديد اللام من تعلى إذا ارتفع أو برئ أي إذا ارتفعت وطهرت , أو خرجت من نفاسها وسلمت ( تجملت للخطاب ) : جمع خاطب من الخطبة بالكسر ( فدخل عليها أبو السنابل ) : بفتح السين اسمه عمرو وقيل حبة بالباء الموحدة وقيل بالنون ( ابن بعكك )
بموحدة مفتوحة ثم عين ساكنة ثم كافين الأولى مفتوحة
( رجل ) : بالرفع بدل من أبو السنابل ( فأفتاني بأن قد حللت ) : بضم التاء , وفي بعض النسخ بأني قد حللت ( قال ابن شهاب ) : هو الزهري
( وإن كانت في دمها )
: أي في دم النفاس ( غير أنه )
: أي الشأن ( لا يقربها زوجها ) : أي لا يجامعها . قال الخطابي في المعالم : قد اختلف العلماء في هذا , فروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا تنتظر المتوفى عنها آخر الأجلين , ومعناه تمكث حتى تضع حملها , فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا فقد حلت , وإن وضعت قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة . وقال عامة أهل العلم : انقضاء عدتها بوضع الحمل طالت المدة أو قصرت , وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم , وبه قال مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي , وكذلك قال الشافعي انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه , وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال عثمان حدثنا وقال ابن العلاء أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشرا
( من شاء لاعنته ) : من الملاعنة , وهو المباهلة أي من يخالفني فإن شاء فليجتمع معي حتى نلعن المخالف للحق , وهذا كناية عن قطعه وجزمه بما يقول من غير وهم بخلافه ( سورة النساء القصرى ) : وهي سورة الطلاق ( بعد الأربعة الأشهر وعشرا ) : المذكورة في سورة البقرة , فالعمل على المتأخرة لأنها ناسخة للمتقدمة قاله السندي . قال الخطابي : يعني بسورة النساء القصرى سورة الطلاق , ويريد أن نزول سورة البقرة متقدم على نزول سورة الطلاق , وقد ذكر في سورة الطلاق حكم الحامل { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فظاهر هذا الكلام منه أنه حمله على النسخ , وأن ما في سورة الطلاق ناسخ للحكم الذي في سورة البقرة , وعامة أهل العلم لا يحملونه على النسخ لكن يرتبون إحدى الآيتين على الأخرى فيجعلون التي في البقرة في عدة غير الحوامل , وهذه في عدة الحوامل انتهى . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وهذا يدل على أن ابن مسعود يرى نسخ الآية في البقرة بهذه الآية التي في الطلاق وهي قوله : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وهذا على عرف السلف في النسخ , فإنهم يسمون التخصيص والتقييد نسخا , وفي القرآن ما يدل على تقديم آية الطلاق في العمل بها , وهو أن قوله تعالى { أجلهن } مضاف ومضاف إليه , وهو يفيد العموم , أي هذا مجموع أجلهن لا أجل لهن غيره , وأما قوله { يتربصن بأنفسهن } فهو فعل مطلق لا عموم له , فإذا عمل به في غير الحامل كان تقييدا لمطلقه بآية الطلاق فالحديث مطابق للمفهوم من دلالة القرآن . والله أعلم .
باب في عدة أم الولد
هي الجارية التي ولدت من سيدها .
حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم ح و حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة قال ابن المثنى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر يعني أم الولد
( لا تلبسوا علينا ) : بفتح حرف المضارعة وكسر الباء المخففة أي لا تخلطوا ويجوز التشديد كذا في فتح الودود ( سنته ) : هذا لفظ قتيبة والضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه لفظ ابن المثنى ( سنة نبينا ) : قال الخطابي في المعالم : يحتمل وجهين من التأويل أحدهما أن يكون أراد بذلك سنة كان يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا وتوقيفا , والوجه الآخر أن يكون ذلك منه اجتهادا على معنى السنة في الحرائر , ولو كان معنى السنة التوقيف لأشبه أن يصرح به . وأيضا فإن التلبيس لا يقع في النصوص إنما يكون غالبا في الرأي والاجتهاد , وقد تأوله بعضهم على أنه إنما جاء في أم ولد بعينها كان أعتقها صاحبها ثم تزوجها , وهذه إذا مات عنها مولاها الذي هو زوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن حاملا بلا خلاف بين أهل العلم . وقد اختلف العلماء في عدة أم الولد , فذهب الأوزاعي وإسحاق بن راهويه في ذلك إلى حديث عمرو بن العاص , وقالا : تعتد أم الولد أربعة أشهر وعشرا كالحرة , وروي ذلك عن ابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين . وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : عدتها ثلاث حيض , وهو قول عطاء والنخعي , وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود . وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل : عدتها حيضة , وروي ذلك عن ابن عمر , وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد والشعبي والزهري انتهى ( عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا يعني ) : أي بالمتوفى عنها ( أم الولد ) : هي الجارية التي ولدت من سيدها , والمعنى عدة أم الولد التي مات سيدها بأربعة أشهر وعشرا , وفي رواية ابن ماجه لا تفسدوا علينا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد أربعة أشهر وعشرا . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه , وفي إسناده مطر بن طهمان أبو رجاء الوراق , وقد ضعفه غير واحد .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله : هذا الحديث يرويه قبيصة بن ذؤيب عن عمرو . وقال الدارقطني : قبيصة لم يسمع من عمرو , والصواب . " لا تلبسوا علينا " موقوف , يعني لم يذكر فيه " سنة نبينا " وقال الإمام أحمد : هذا حديث منكر . آخر كلامه . وقد رواه سليمان بن موسى عن رجاء بن حيوة عن قبيصة عن عمرو قوله : " عدة أم الولد عدة الحرة " وهذا الذي أشار إليه الدارقطني أنه الصواب . وقال ابن المنذر : ضعف أحمد وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص . وقال محمد بن موسى : سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص فقال : لا يصح . وقال الميموني : رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا , ثم قال : أين سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ؟ وقال : أربعة أشهر وعشرا إنما هي عدة الحرة من النكاح , وإنما هذه أمة خرجت من الرق إلى الحرية . وقد روى مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها وتعتد بحيضة " . واختلف الفقهاء في عدتها : فالصحيح أنه حيضة وهو المشهور عن أحمد وقول ابن عمر وعثمان وعائشة وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وغيرهم . وعن أحمد رواية أخرى : تعتد أربعة أشهر وعشرا , وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وإسحاق . وعن أحمد رواية ثالثة : تعتد شهرين وخمسة أيام حكاها أبو الخطاب , وهي رواية منكرة عنه , قال أبو محمد القدسي : ولا أظنها صحيحة عنه , وروي ذلك عن عطاء وطاوس وقتادة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : عدتها ثلاث حيض , ويروى ذلك عن علي وابن مسعود , وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي والثوري .
باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا غيره
المراد بالمبتوتة المطلقة ثلاثا .
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته يعني ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها
( عن رجل طلق امرأته ) : وفي رواية النسائي طلق امرأته ثلاثا ( ثم طلقها )
: أي الزوج الثاني ( قبل أن يواقعها ) : أي يجامعها
( حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها ) : أي حتى تذوق المرأة لذة جماع الزوج الثاني , ويذوق لذة جماعها والعسيلة مصغرة في الموضعين , واختلف في توجيهه فقيل تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز , قال وأحسب التذكير لغة . وقال الأزهري : يذكر ويؤنث , وقيل لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث . وقيل : المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج . وقيل : معنى العسيلة النطفة , وهذا يوافق قول الحسن البصري . وقال جمهور العلماء : ذوق العسيلة كناية عن الجماع , وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة , ويدل على ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العسيلة هي الجماع , رواه أحمد والنسائي , وزاد الحسن البصري : حصول الإنزال . قال ابن بطال : شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء . وقالوا : يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق , ويفسد الحج والصوم , وقال أبو عبيدة : العسيلة لذة الجماع , والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا . وحديث الباب يدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب قال : ولا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج . ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن . هذا مأخوذ من الفتح والنيل . قال المنذري : وأخرجه النسائي , وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عروة عن عائشة .
باب في تعظيم الزنا
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال فقلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك قال قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك قال وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم
والذين لا يدعون ع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون
الآية
( عن عبد الله ) : أي ابن مسعود ( أن تجعل لله ندا ) : بكسر النون أي مثلا ونظيرا في دعائك أو عبادتك ( وهو خلقك )
: فوجود الخلق يدل على الخالق , واستقدامة الخلق تدل على توحيده ; إذ لو كان إلهين لم يكن على الاستقامة ( خشية أن يأكل معك ) : بنصب خشية على المفعولية ( أن تزاني حليلة جارك ) : بفتح الحاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته لأنها تحل له فهي فعيلة بمعنى فاعلة , أو من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها , وإنما كان ذلك ; لأنه زنا وإبطال لما أوصى الله به من حفظ حقوق الجيران . وقال في التنقيح : تزاني تفاعل , وهو يقتضي أن يكون من الجانبين . قال في المصابيح : لعله نبه به على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها بأن يغشاها نائمة أو مكرهة , فإنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها له والطواعية كبيرا كان زناه بدون ذلك أكبر وأقبح من باب الأولى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
حدثنا أحمد بن إبراهيم عن حجاج عن ابن جريج قال وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول جاءت مسكينة لبعض الأنصار فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء فنزل في ذلك
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
( قال وأخبرني أبو الزبير ) : أي قال حجاج وأخبرني به أبو الزبير كما أخبرني غيره ( جاءت مسكينة لبعض الأنصار ) : أي أمة مسكينة لبعضهم , وفي بعض النسخ مسيكة بضم الميم وفتح السين بالتصغير لكن الظاهر في هذه الرواية هو الأول كما لا يخفى ( يكرهني ) : بضم حرف المضارع من الإكراه ( على البغاء ) : أي الزنا { ولا تكرهوا فتياتكم } : أي إمائكم
{ على البغاء } : أي على الزنا . وتمام الآية { إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } قال المنذري : وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يريدهما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } إلى قوله { غفور رحيم } وحكى بعضهم أن عبد الله بن أبي كانت له ست جوار يأخذ أجورهن معاذة ومسيكة وأروى وقتيلة وعمرة وأميمة .
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر عن أبيه ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم
قال قال سعيد بن أبي الحسن غفور لهن المكرهات
( قال : قال سعيد بن أبي الحسن إلخ ) : مراده أن المغفرة والرحمة لهن لكونهن مكرهات لا لمن أكرههن . وقوله المكرهات بيان للضمير المجرور في قوله لهن . والحديث سكت عنه المنذري . هذا آخر كتاب الطلاق
---------------------------------- انتهى بحمد الله ------------------------ | |
| | | | كتاب الطلاق | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |